القرية العالمية.. مسـرح لفلكـلور الشعـــوب
تعد القرية العالمية في دبي مسرحاً كبيراً، تعرض عليه جنسيات مختلفة فلكلورها، وتتبارى دول عدة من أنحاء العالم في تقديم أهازيجها ورقصاتها الشعبية، التي تحمل في طياتها فخرها بتراثها وهويتها وإثباتهما عالمياً، من خلال ما تقدمه امام قراها من رقصات، ودبكات، واغنيات، تضفي جوا من الحيوية، وتثير التساؤلات لدى كثيرين عن ماهيات وتاريخ تلك الرقصات التي هي جزء لا يتجزأ من ثقافة الاوطان وفلكلورها.
«الإمارات اليوم» تنقلت بين عروض عدة في القرية العالمية، فمن العصا المصرية، مروراً بالدبكة الشامية والسيغا الإفريقية، انتهاء بالعرضة النجدية، محاولةً الاجابة عن اصول تلك الرقصات، والحكايات التي تقف وراءها.
العصا المصرية
على مسرح الجناح المصري، وامام كثيرين من عشاق مصر، تقدم فرقة البحيرة للفنون الشعبية المصرية عروضا شعبية عدة، تبدأ من رقصة «التحطيب» او العصا الصعيدية، التي تشتهر بها محافظات الجنوب في مصر، مرورا برقصات «السمسمية» التي تشتهر بها المدن الساحلية المصرية، وأغنيات مختلفة وباصوات عدة ايضاً، ومن اللافت ان غالبية الجاليات الموجودة في القرية العالمية تحيط بالمسرح، وتعبر عن رضاها اما بالتصفيق او الرقص، ويحرص كثير منهم على تصوير الفرقة فوتوغرافياً.
وقال مدير الجناح المصري، عاصم الشيخ عن رقصة «التحطيب» او العصا إنها «تعد رقصة كل الصعيديين»، مشيراً إلى أنها «تركز على المبارزة بين رجلين يحمل كل منهما عصا، وهناك رابح وخاسر، والفائز هو من يستطيع ان يلمس بعصاه اي جزء من جسم الخصم».
وبالفعل من يتابع الرقصة يشعر بأنه يتابع مباراة مبارزة، ولكن بشكل فني، حيث الموسيقى تخفف من وطأة العنف الذي من المفترض ان يكتنف تلك الرقصة.
وأوضح الشيخ أن «المبارزة تمر بثلاث مراحل، ففي الأولى يدور اللاعبان على محيط الساحة، وترفع العصا فوق رأسيهما. ثم يقف اللاعبان أحدهما تجاه الآخر. وفي «الرش» يلف كل لاعب عصاه فوق رأسه من الخلف إلى الأمام، ويعاودان الدوران بعضهما حول بعض، لتأتي المرحلة الثالثة والاخيرة والتي ترتكز على اقتراب الخصمين، ليوجه كل منهما ضرباته إلى الآخر في اداء مسرحي غنائي فيه الكثير من المعاني».
دبكة شامية
ويشاهد زائر الأجنحة السورية والفلسطينية واللبنانية مجموعة من الشباب، يرتدون الملابس الفلكلورية الخاصة بكل بلد، ويعرضون دبكاتهم التي تعتمد على ضرب الاقدام على الارض بصورة موحدة، وتمايل الاجساد جنبا الى جنب، ترافقهم اصوات المغني الذي يصدح بالمواويل والاغاني التراثية لكل قطر.
وقال مؤلف كتاب «الثقافة الفلسطينية.. فلكلور وعادات»، وصاحب محال متخصص لبيع الاثواب الفلسطينية، غسان عابدين «الدبكة بشكل عام عبارة عن مجموعة من الشباب يرتدون لباسا موحدا، وفتيات يرتدين الاثواب المطرزة، شابكين ايديهم ببعضهم بعضا، لتبدأ اجسادهم بالتمايل بداية مع غناء المغني الذي يصدح بمواويل مصاحبة في اغلب الوقت لنغمات الناي، الى ان يعلن وبصورة حماسية غناءه إحدى الاغاني الشعبية والمتعارف عليها في المنطقة مع دق الطبول، وتبدأ الاقدام بضرب الارض بخطوات موحدة ومتفق عليها كأنها جسد واحد».
وذكر أن للدبكة ثلاثة انواع متصلة بطبيعة المنطقة المنقسمة الى مدن وقرى وبادية، موضحاً أن «دبكة الطيارة تتميز بالايقاع السريع، ويجب على من يريد رقصها ان يتميز باللياقة والقدرة على ملاحقة اقرانه في الفرقة، ودبكة الدلعونا وهي الاكثر شهرة ذات ايقاع متوسط بسبب تخللها ارتجالات من المغني والتي يعطي من خلالها فرصة للدبيكة بأن يتمايل بعضهم الى جانب بعض»، مضيفاً أنه توجد ايضا دبكة زريف الطول التي «تدبك عادة في الاعراس، حيث تحكى فيها صفات العريس والعروس التي يجب ان تكون جيدة، ودبكة الدحية التي تنتشر في الاردن وفي بوادي بلاد الشام، وتصدر فيها اصوات لا يفهمها الا البدو وتستخدم فيها الخيول والجمال».
رقص إفريقي
واعتبرت البائعة في القرية الكينية، ماناون بييرا، أنه «لا يمكن فصل افريقيا بكل اقطارها عن الرقص، فكثير من شعوبها يحب الإيقاعات الجميلة ويترجمها رقصاً». وقالت «طبيعة اجسامنا تساعد على الرقص، فنحن نهتم كثيراً ومنذ الصغر بمنطقة الارداف بالنسبة إلى المرأة والتي نعتمد عليهما كثيرا في الحركات الادائية لنا، اما بالنسبة للرجل فهو يعتمد على ابراز عضلاته وحركات معدته».
ويستشعر كلام بييرا من يتابع الرقصات التي تعرض على المسرح المقام امام القرى الافريقية، فرقصة «السيغا»، وهي الاكثر شهرة من غيرها، ويمارسها الصغير قبل الكبير هي عبارة عن رقص شعبي، وكلمات الاغنيات التي ترافقها غالبا ما تكون ارتجالية تعبر عن واقع حالهم، اضافة الى وجود الطبول التي لا غنى عنها في الرقص الافريقي»، أما الادوات الموسيقية التي تستخدم في الرقص الإفريقي فهي عبارة عن ثلاث «الطبل والمثلث الحديدي وعلبة المارافاني».
العرضة النجدية
ووصف مدير الجناح السعودي إبراهيم جابر «العرضة النجدية» التي تقدم بشكل يومي امام زوار القرية العالمية، وبالقرب من الجناح السعودي بانها «جزء من افراحنا»، وأضاف أنها تعد «نمطا من الغناء الشعبي السعودي، ومجموعة من الرجال الذي يتراصون بعضهم الى جانب بعض يتمايلون ويغنون الاهازيج النجدية ويصاحبهم قارعو الطبول الذين يحمسونهم بالرقص أمامهم وزيادة الدق على الطبل».
وذكر أن ما يميز «العرضة النجدية» انها «تؤدى وقوفاً، وكانت قديما ترقص اثناء الانتصار، خصوصا في خلاف القبائل مع بعضها، اما الآن فهي تستخدم في المناسبات السعيدة كالاعياد والاحتفالات الوطنية وغيرها».
ولفت إلى أن الشعر الذي يتغنى به رجال العرضة «عادة يكون مرتجلا، وعلى الرغم من ان الشعر المغنى لا يفهمه الا اهل السعودية والخليج بشكل عام، إلا ان اداء العرضة يجذب الناس لمشاهدتها والتقاط الصور مع مؤديها».
تراث.. وهوية
شدد مؤلف كتاب «الثقافة الفلسطينية.. فلكلور وعادات»، غسان عابدين، على ضرورة النظر إلى الدبكة على انها تراث يجب المحافظة عليه، خصوصاً مع محاولة اسرائيل طمس هذا التراث، ونسبته لفلكلورها المزعوم، موضحاً أنه «أخيراً تعرضت الدبكة الشامية بشكل عام لهجمة صهيوينة، حيث حاولت اسرائيل ان تجعل من هذا الفن المتأصل بأراضي بلاد الشام فلكلوراً اسرائيلياً، ما جعل الكثيرين من اصحاب الفرق في بلاد الشام يكرسون جهودهم ويشاركون في محافل داخلية وخارجية عدة، تمسكاً بالتراث الذي هو جزء من الهوية».
وأضاف «لكل دبكة في بلاد الشام ملامحها الخاصة التي تكتسب من طبيعة حياة الشعب والوضع العام لكل بلد، فلا تختلف الدبكات عن بعضها بعضاً في فلسطين او سورية او لبنان الا بالابتكارات الخاصة لكل بلد والتي تميزه عن الآخر».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news