بيتــر هـوســن رسام راقب من اسكتلندا ما جرى في غزة
لم يغادر الفنان الأسكتلندي بيتر هوسن بلاده إلى الشرق الأوسط خلال المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، لكنه كان هناك يسافر بخياله كل يوم، مسجلاً بريشته المشاهد الوحشية التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي .
هذا الفنان مسكون في دواخله بالقنابل العنقودية والدخان والدمار في كل مكان من القطاع، يقول «أصبحت شديد الولع بتلك القنابل»، ويضيف مشيرا إلى إحدى اللوحات، «في هذه الصورة، يمكنك أن ترى هذا المسجد والقنابل تنفجر حوله».
يروي هوسن عن تلك المشاهد، وهو يقف بالقرب من نافذة مرسمه، ومن خلفه بدت تلال اريشاير للعيان، تومض في ذلك الصباح الشتوي، بينما يسود في الداخل هدوء جليل . ينهمك هوسن في عمله، وعلى أرضية الغرفة تتناثر صور تعبر عن العزلة والاضطهاد والدمار، انتزعها من كراسته، تنافس كل منها الأخرى في مشاهد الفزع والخوف والرعب . تنضح إحدى الصور بالألم، بعض الصبية يفرون من شيء مفزع غير مرئي، تعبر إحدى اللوحات عن امرأة حامل تحتضر.
تصرخ خطيبته آني ماكي في انبهار من لوحة رأتها للتو، تعكس صورة امرأة منتحبة تحمل بين يديها جسدا محطما. تناول هوسن اللوحة، ليضعها بجانب لوحات أخرى تعكس هياكل عظمية، تنظر شذراً لمشاهد التفجيرات والموت . ويتحدث هوسن عن ذلك : «منذ وقف إطلاق النار، كنت أتحدث مع أشخاص شهدوا المأساة في غزة، كان الوضع هناك أشبه بالكارثة التي تعقب الزلزال».
الذين يعرفون هوسن عن قرب يعلمون أنه من المنطقي أن يصل هذا الفنان إلى هذه النقطة من هذا الإبداع، حيث كان يعمل خلال الغزو الإسرائيلي ليعبر عن غضبه بطريقته الخاصة على هذه الحرب التي قضى فيها أكثر من 1300 فلسطيني.
خلال الـ30 عاماً الماضية، سجل بيتر هوسن مشاهد يأس وشقاء وقنوط كثيرة في غلاسكو، وقتلى كوسوفو والمأساة الإنسانية في البوسنة والهرسك. وطوال رحلته الفنية، عانى من جميع أنواع الكوابيس الشخصية، حيث أصيب بعارض اسبيرغر، وهو شكل من التوحّد، كثيرا ما يصيب العباقرة، لكنه غالبا ما يترك أثره على علاقتهم بالآخرين.
بعد أيام من الحرب على غزة، خرجت مئات من هذه اللوحات (الاسكتشات) التي تمخضت عندما غزا مخيلته ما يحلو له أن يسميه «الانجذاب الغامر» للإبداع. ويتحدث عن لحظات الإلهام، «تتدفق الصور في مخيلتي بشكل لا تصدقونه أبداً، أحتفظ في رأسي بالملايين منها، وعندما أرغب في الرسم، يبدو الأمر وكأنني أستدعي هذه الصور لتتدفق إلى الخارج، وأعلم جيدا أن القدرة مهما كان شكلها لا تأتي مباشرة من داخلي، وإنما استمدها من شيء أقوى بكثير، شيء يتغذى من نبض الكون».
حج هوسن للقدس ثلاث مرات في أربع سنوات، وكان في الأراضي الفلسطينية قبل أسابيع من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة. والتقى هناك نائب عمدة القدس جورج سعدة الذي اغتيلت ابنته البالغة 12 عاما على يد جندي إسرائيلي، يقول عنه « إنه أشجع رجل قابلته في حياتي، يريد أن يسامح . لكن، لا أدري كيف يفعل ذلك؟».
وتحدث أيضا عن الانتخابات الاسرائيلية، لكنه لم يكن يبدي اكتراثا للطرف الذي يكسب الانتخابات، ويعلل ذلك بقوله: «لأنهم سيؤون جماعات وأفرادا». بيد ان بنيامين نتنياهو الذي قضى أخوه في هجوم عنتيبي في يوغندا في 1976 يتميز بجانب مظلم يخشاه هوسن، ويقول: «إذا نجـح نتنياهـو في الانتخابات، فإن امـراً مرعباً سيحدث».
يشعر الفنان البريطاني بالحرج، لأن الرسومات الجديدة وليدة خياله، وليست نتاج كـونه هناك شخصـيا في غـزة، في قلب العاصفة، بحسب تعبيره .
ويتحدث عن تفكيره في الهروب إلى هناك عبر الأنفاق للوصول إلى الجانب الآخر حيث غزة، ويقول إن رسالته واضحة، « البشر الذين يعانون هنا هم الأبرياء، وهو ما تعبر عنه اللوحات، وإن إسرائيل لا يمكنها أن تذهب بعيدا بجرمها، هؤلاء ليسوا أناسا يرغبون في الحرب»، ويتساءل: «هل جاء شمشون إلى غزة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news