«هيب هوب».. احتجاج فلسطيني بالموسيقى
لقي فيلم «هيب هوب المقلاع» الذي يرصد صعود موجة فرق الراب الفلسطينية، في عرضين له في دمشق، ترحيباً حاراً من جمهور ملأ صالة العرض، وتردد فيها مراراً صدى ضحكاته، علاوة على تناغمه بحيوية مع موسيقى الراب الممهورة بصوت الاحتجاج الفلسطيني.
وترد مخرجة الفيلم جاكلين سلوم من أبناء الجيل الأول للعرب الأميركيين، وهي مولودة لأب سوري وأم فلسطينية، عند سؤالها عن سر ترحيب الجمهورين العربي والغربي معاً بالفيلم بأنها تريد «الجمهور بكل اتجاهاته وجنسياته»، وقالت أن الفيلم أسر جمهور صالات السينما حيثما حل، في ولايات أميركية ومهرجانات أوروبية أو عواصم عربية، كان آخرها جمهور دمشق في «مهرجان أيام سينما الواقع».
سلسلة مصادفات قادت المخرجة الشابة لإنجاز فيلمها التسجيلي الأول «هيب هوب المقلاع»، أول خطوة كانت إنجازها فيديو كليب تضمن صوراً لاجتياح جنين في العام 2002 على خلفية أغنية «مين ارهابي» لفرقة «دام» التي سمعتها مصادفة من إحدى إذاعات نيويورك.
موسيقى الهيب هوب حلت لها معادلة كانت صعبة التحقق، إذ تقول «بدأت أجمع السياسة بثقافة البوب، لأنك إذا أردت لفت انتباه الناس إلى قضية وصدمتهم بالسياسة سيديرون ظهرهم لك، لكنك إذا وضعت السياسة في شكل يجذب الناس، مثل الفيديو والألعاب والصور الجذابة، فإنهم سيلتفتون إليك».
لم تقتنع جاكلين سلوم بجدوى ما كانت تفعله، ومضت للخوض في مجال الفيلم التسجيلي بعد نصيحة من أحد أساتذتها «لأن الفن يبقى تأثيره محدوداً إذا بقي في صالات العرض، وشاهده جمهور ضيق». وسافرت سلوم بعدها مراراً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقضت نحو خمس سنوات في تصوير وإنجاز فيلمها الأول، ومدته 80 دقيقة من أصل 700 ساعة تصوير هي المادة التي جمعتها للفيلم. ورصدت بشكل أساسي فرقتين فلسطينيتين تعيشان تحديات لها طبيعة مختلفة، وتجمعهما قسوة ظروف الاحتلال. تتابع مشاهد الفيلم أعضاء فرقة «دام» التي يقطن أفرادها مدينة اللد، وكيف بدأوا من احتجاجهم على ترك مدينتهم فريسة المخدرات والقتل، وأطلقوا ألبومهم الأول «أوقفوا بيع المخدرات»، ثم تحول مسار الفرقة لتغني احتجاجاً على القتل المستمر للفلسطينيين ومعاناتهم اليومية من الاحتلال.
وفي عرض دمشق، شأن العروض العربية الأخرى، لم تحمل المخرجة مفاجأة للجمهور، كما كان حالها عندما خاطبت جمهوراً جعل بطاقات ستة عروض للفيلم تنفد في واحد من أهم مهرجانات الفيلم التسجيلي العالمية (مهرجان «صندانس» في ولاية يوتا الأميركية)، وقالت لهم إنها أحضرت أحد مغني الراب الذين ظهروا في الفيلم ليغني لهم. والمغنون الضيوف على عروض الفيلم غير العربية من فرقة «دام» يحتجون في الفيلم أن كونهم من عرب 48 جعلهم مكروهين من الجميع، من فلسطينيين آخرين يتهمونهم بالعمالة للاحتلال، ومن إسرائيليين يضيقون عليهم ويهدمون بيوتهم، ومن عرب يمنعونهم من دخول البلاد العربية. وإلى هذه الفرقة، تتابع مشاهد أخرى قادمة من غزة حيث المعاناة التي تخوضها فرق «ال بي ار» أثقل، وينتهي الفيلم بعدم سماح الاحتلال الإسرائيلي لهذه الفرقة بلقاء كان منتظراً في حفلة تجمع فرق الراب الفلسطينية في رام الله.
وبعد إنجازها الفيلم الذي حصد جوائز الجمهور في مهرجانات عدة، تقول مخرجته بعد أن صار شعورها بهويتها «أقوى وأعمق»، إنها ليست متفائلة بالنسبة لتأثر الرأي العام في أي صراع. وتوضح مدللة على رأيها بكثرة الاحتجاج عبثاً الذي سبق الحرب على العراق «كنت أظن أني أستطيع إحداث تغيير كبير، لكني عرفت أن من يمتلكون السلطة والمال هم من يقررون». أما خطوتها المقبلة فهي ليست فيلماً تسجيلياً اخر، بل إخراج «الفيديو كليب» لمغنين عرب وعرب أميركيين، لأن «الفيدو كليب العربي سيئ، أريد عمل فيديو كليب، فيه قصة وليس مجرد دموع ونحيب».