عذب الكلام

 قصيدة «الوشم» لمحمد الماغوط:

الآن في الساعة الثالثةِ من القرن العشرين حيث لا شيءَ

يفصلُ جثثَ الموتى عن أحذيةِ المارة سوى الإسفلت

سأتكئ في عُرضِ الشارع

ولن أنهضَ حتى تُجمعَ كل قضبان السجون

وإضباراتِ المشبوهين

في العالم وتوضعَ أمامي

لألوكَها كالجَمل على قارعةِ الطريق..

حتى تفر كل هراواتِ الشرطة والمتظاهرين

من قبضات أصحابها

وتعودَ أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى) في غاباتها

أضحك في الظلام، أبكي في الظلام، أكتبُ في الظلام

حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي

كلما قُرعَ بابٌ أو تحركتْ ستارة

سترتُ أوراقي بيدي، كبغي ساعةَ المداهمة

من أورثني هذا الهلعَ

هذا الدمَ المذعورَ كالفهد الجبليّ؟

ما إن أرى ورقةً رسميةً على عَتَبَة

أو قبعةً من فُرجةِ باب

حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها

ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه

كأن مفرزةً أبديةً من شرطةِ السلالات

تطارده من شريان إلى شريان

آه يا حبيبتي! عبثاً أسترد شجاعتي وبأسي

المأساةُ ليست هنا

في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار

إنها هناك في المهد.. في الرحم

فأنا قطعاً ما كنتُ مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّة

بل بحبل مشنقة.

تويتر