«المقهى» يرصد تحولات تشهدها المجتمعات.                   أ.ف.ب

«المقهى الشعبي».. شاهد تاريخي على سورية

يعكس المقهى الشعبي تغيرات المجتمع السوري، إذ بات الشبان والنساء يرتادونه، لكنه حافظ في الوقت نفسه على مكانته التاريخية في دمشق أمام اجتياح المقاهي الحديثة أخيرا أرصفة العاصمة.

ويذكر أحد العاملين في مقهى «الهافانا» العريق الواقع في الوسط التجاري للعاصمة أنه «في الأربعينات من القرن الماضي، كان كل مقهى يتميز عن الآخر بالشخصيات السياسية والثقافية البارزة التي كانت ترتاده». ويضيف إن «رواد المقهى كانوا ينقسمون إلى قطاع فكري وسياسي يتزعمه المفكران زكي الأرسوزي وصدقي إسماعيل، وتيار أدبي يمثله شاكر مصطفى وعبدالمطلب الأمين وسعيد حورانية».

وتحدث أبو شنب، أحد رواد المقاهي الشعبية، عن ظاهرة دخول العنصر النسائي بكثافة إلى المقهى، حيث «تشكل نسبتهن 40٪ بينهن 50٪ من المحجبات».

وأشار إلى أن كوليت خوري الأديبة السورية كانت أول من كسر الحاجز، عندما ارتادت مقهى «البرازيل» في بداية الستينات.

وتتذكر الكاتبة نضال حمارنة أول مرة دخلت فيها مقهى الروضة «الذكوري بامتياز» في 1999 ،وتقول «اقترح علي الروائي هاني الراهب لقاءه في الروضة فاستغربت الأمر، لكنني وافقت حبا في التجريب».

وتتابع «دخلت المقهى ولم أجد أي امرأة، فدخلت بقدم إلى الامام وقدمين إلى الوراء، إلى أن وصلت إلى الطاولة فجلست، وكنت متوترة جدا». وتضيف «اليوم ترتاد الروضة نساء كثيرات من أجل التواصل إنسانيا ومهنيا».

وبرزت في دمشق مؤخرا مقاه حديثة عدة تابعة لمختلف العلامات التجارية العالمية، كـ«سيغافريدو» و«كوستا كافيه» التي لاقت رواجا كبيرا، دفعها إلى فتح فروع عدة لها في الأحياء الدمشقية.

ويقول المحامي عدنان طبنج الذي يرتاد يوميا منذ 40 عاما مقهى الكمال المجاور للهافانا «كان رواد الكمال من جماعة أكرم الحوراني» السياسي السوري.

ويتابع «لكن، طرأ تحول عند تسلم حزب البعث العربي الاشتراكي الحكم، فأصبح الحراك السياسي محدودا، واقتصر دور النشاط في المقاهي على النشاط الاجتماعي الترفيهي».

وأضاف «الأمور تغيرت بعد تولي بشار الأسد الرئاسة وطرح برنامج التغيير، فارتاد الشباب الراغبون في إعادة العمل المدني في المؤسسات المقهى، بعد أن كان وقفاً على كبار السن».

ويقول الأديب عادل أبو شنب «لم يكن الشباب يجرؤون على دخول المقهى بسبب وجود كبار الشخصيات التي كانت تنظر اليهم بازدراء». ويتذكر أنه دخل مقهى «البرازيل» الذي كان يجمع نخبة السياسيين قبل أن يتم هدمه نهاية الخمسينات، «بشفاعة» الأديب سعيد الجزائري.

وبدأ عدد الرواد الأصليين للمقهى بالانحسار بسبب «غزو» الفئات العمرية الشابة التي استهوتها عادة دخان المعسل (نوع من النرجيلة) الشائع في المقاهي منذ ثماني سنوات . وأسف طبنج لأنه «سابقا لم يكن يدخن النرجيلة من كان عمره من دون الخمسين، واليوم أصبحت النرجيلة عادة اجتماعية مقبولة حتى بين النساء».

وانعكس ارتياد الشباب على طابع بعض المقاهي، إذ رضخت مؤخرا إدارة مقهى الروضة التاريخي لمتطلبات هذه الفئة، وقامت بتجهيز المقهى بشاشات عرض كبيرة لنقل البرامج الفنية والمباريات الرياضية. أما حكمت، أقدم العاملين في المقهى، فأوضح أن الإدارة قامت بتنويع لائحة مشروباتها التي كانت تقتصر على القهوة والشاي والنرجيلة إرضاء لزبائنها الجدد. وكانت العاصمة السورية تفتقر حتى فترة قصيرة إلى مثل هذه المقاهي الحديثة التي تستهوي الشباب، إلا أن أصحاب المقاهي الشعبية لا يخشون من وجودها، ولا يعتبرون أنها تشكل منافسا لها. ويقول أحد العاملين في الـ«هافانا» إن «الشباب الذين يتبعون ما هو سائد في طريقة التسريحة أو الملابس سيبدون شاذين وسط مرتادي هذا المقهى، فلكل مقهى رواده».

الأكثر مشاركة