«نانكين نانكين» ينكأ جروح القوميين الصينيين
حقق فيلم وطني صيني حول مجزرة نانكين الشهيرة، في الحرب العالمية الثانية، نجاحاً جماهيرياً كبيراً، بيد أنه أثار معارضة شديدة من القوميين المتشددين، لأنه أظهر جانباً إنسانياً لدى الجنود اليابانيين. ويدور فيلم «نانكين نانكين» (سيتي أوف لايف آند ديث بالإنجليزية)، المصور بالأبيض والأسود، حول المجزرة التي اقترفها الجيش الياباني في 1937 في نانكين التي كانت العاصمة الصينية في تلك الفترة، ويعرض وجهات نظر عدة، صينية ويابانية. ويتطرق الفيلم بالتفاصيل المؤلمة إلى المجزرة التي ذهب ضحيتها مدنيون عزل وأسرى حرب .
والفيلم المدعوم من السلطات، الذي شاركت مؤسسة «تشاينا فيلم» النافذة، في إنتاجه، يحظى بتوزيع في كل أرجاء الصين. وبعد أسبوعين من بدء عرض الفيلم انضم المخرج الصيني لو شوان (38 عاماً) إلى نادي المخرجين الصينيين أصحاب الملايين (اليوان) الضيق. والفظائع التي ارتكبها اليابانيون في نانكين وكانت حصيلتها 300 ألف قتيل، بحسب بكين، لاتزال محفورة في ذاكرة الصينيين، ويغذيها الحزب الشيوعي باستمرار لتعزيز شرعية وجوده.
المخرج لو شوان، شأنه في ذلك شأن معظم مواطنيه، يعتبر أن اليابان لم تعلن حقيقة ندمها على ما اقترفته. وقداشتهر في الخارج من خلال فيلمه (كيكيسيلي) في 2003 ،وهو ابن كاتب صيني معروف، وقال «لم تعتذر الحكومة اليابانية يوماً عن المجزرة التي ارتكبتها، ويتجاهل بعض اليابانيين حقيقة هذه المجزرة». وتناولت عشرات الأفلام مجزرة نانكين، وعلى الرغم من ذلك، لايزال التطرق إلى هذا الموضوع شديد الحساسية. وحاول المخرج المتأثر بفرانسيس فورد كوبولا وديفيد لين واكيرا كوروساوا، من خلال فيلم الحرب هذا إظهار الحقيقة. وهي المرة الأولى التي يتناول فيها فيلم مجزرة نانكين، ويصور الجنود اليابانيين على أنهم بشر استغلوا في مأساة الحرب هذه، وليسوا وحوشاً متعطشين للدم. إلا أن هذا الأمر لم يرق للقوميين المتشددين، فتلقى منهم رسائل تهديد بالقتل. ورداً على ذلك، علق المخرج «ظننت لوهلة أني أعيش في حقبة الثورة الثقافية، ولم أتخيل أن هناك قوميين متشددين بهذا القدر قبل بدء عرض الفيلم». ويضيف المخرج الذي دخل المدرسة الحربية في نانكين قبل أن يتخصص في السينما «أحاول تمرير رسالة سلام وحب، واعتقد أن معظم الشعب الصيني سيتقبلها ،فيما لن تقتنع الأقلية المتطرفة».
وأنهى المخرج أخيراً جولة ترويجية للفيلم في مدن صينية عديدة، واجه خلالها فريق العمل، والممثلون اليابانيون خصوصاً ، صعوبات في بعض الأحيان. ويقول «تم تناول موضوع مجزرة نانكين سابقاً بكثرة، لأجل ذلك، نفهم ردات فعل الشعب القوية». ويتابع «لاحظت بعد أيام عدة أن هذا الأمر شكل (معاناة) لفريق الفيلم، وخفت على سلامتهم». وقد انهار أحد الممثلين اليابانيين تحت الضغط، وأراد أن يرحل، ولم يتمكن من المشاركة مجدداً في الجولة إلا بعد أيام راحة عدة. ويضيف المخرج «شعرت بالضغط أيضا جراء أسئلة وسائل الإعلام والمشاهدين الذين سألوني عن سبب اتخاذي وجهة نظر جندي ياباني من أجل سرد القصة». ويضيف لو شوان «يظهر تمكننا من تصوير مجزرة نانكين بهذه الطريقة، على الرغم من كل شيء، أن الصين تتطور». لكن لاتزال إلى اليوم حقبات تاريخية حساسة كالثورة الثقافية أو الحركة المنادية بالديمقراطية في 1989 من المحرمات بالنسبة إلى المخرجين الصينيين.
ويقول لو «بعض المخرجين الصينيين يريدون صناعة أفلام تدور حول هذه الموضوعات، لأنها تشكل مادة ممتازة للأفلام، شخصياً أحب أن أصور فيلماً حول الرابع من يونيو 1989 ،على الرغم من اعتقادي بأن إمكانية ذلك في السنوات الخمس المقبلة ضئيلة»، في إشارة إلى القمع الدموي للتظاهرات المنادية بالديموقراطية في ساحة تيانامين. ويختم «من الضروري أن نعمل على أن تصبح البلاد أكثر انفتاحاً».