زفرات «ملك البوب» الأخيرة
كل ما أحيط بحياة مايكل جاكسون يقودنا إلى شخصية مأزومة، صالحة بامتياز لأن تكون درامية في كل ما عاشته، وإلى شيء يدفع للقول بأن صناعة فيلم عن حياته لن تكون بحاجة إلى أية إضافات أو منكهات درامية أو حتى مأساوية، إن كل ذلك سيحضر بمجرد أن يكون السيناريو وفياً للوقائع التي عاشها، عندها لن تفارقه الموسيقى وصعوده أعلى درجات النجومية ولم يتجاوز بعد الحادية عشرة من عمره مع اخوته «الجاكسونيين»، وليتحول إلى أيقونة فنية، كان لـ«رقصة القمر» في أغنية Belly Jean أن تصيب العالم بالجنون في أواخر ستينات القرن الماضي، بينما تحول معطفه الأحمر القصير في أغنية Beat It إلى هوس لدى شباب السبعينات ومازال، وصولاً إلى هبوط نجمه المدوي بعد سلسلة فضائح لم تتوقف.
صعود نجومية مايكل جاكسون مجدداً لم تكن إلا مع وفاته يوم الجمعة الماضي الذي أعاد «ملك البوب» إلى عرشه الذي كان قبل أيام مخلوعاً منه، يعاني من مشكلات مالية متفاقمة، وفي طريقه لإجراء جولة موسيقية في بريطانيا يطمح من خلالها إلى جني 400 مليون دولار تسوي وضعه المالي المتدهور، أو ليترك من خلال هذا المبلغ شيئاً يرثه أبناؤه، لكن تبقى أزمة جاكسون الرئيسة، متمثلة في هويته، ومظهره، وبشرته ولونها، وكيف تحول من السمرة إلى البياض، الأمر الذي حدث تدريجياً بداية ثمانينات القرن الماضي، حين صرح بأنه مصاب بمرض «يبيض البشرة»، فإذا به يتحول إلى رجل كلي البياض، لتتوالى عمليات التجميل، بما في ذلك تغيير أنفه كاملاً، ما حوله مع الوقت إلى «مومياء» أو «مسخ» مشوه في تفاقم أزمته على ما يبدو مع شكله ولون بشرته، وعلى شيء من الخيانة لهما، لتكون النتيجة تشويهاً ليس أكثر.
لعله كان يعاني من «عقدة دونية» لا نعرف! لكن حاله تنطق بذلك رغم كل نجاحاته الخارقة، أو من الأفضل لنا إحالة ذلك إلى الغنى والشهرة، الأمر المترافق مع سلسلة من الفضائح، بدأت مع عام 1993 والدعوة الأولى التي أقيمت عليه لتحرشه بقاصر، الأمر الذي اضطره لدفع 20 مليون دولار لعائلة الفتى وتسوية الأمر، ولتتوالى الفضائح التي بُرئ منها جميعاً وقد وصلت إلى السبع، والتي اتبعت بتعاطيه مواد مخدرة، وفي لقاء مع أوبرا وينفري قال جاكسون إنه هو نفسه تعرض في صغره لتحرش جنسي من قبل والده.
هناك الكثير مما يحكى عن هذه الأسطورة التي تتخطى الغناء والفن، إلى حياته هو بالذات، حيث ينقلنا غرقه في البذخ إلى درجة تفوق الخيال، كأن يشتري حديقته الشهيرة «نيفرلاند» بـ50 مليون دولار، حيث احتوت على تماسيح ونمور وأسود وكل أنواع ألعاب «ديزني لاند»، وليدفع أربعة ملايين دولار لصيانتها سنوياً، لا بل إنه وبعد 2003 صار يجد في تبديد المال متعته الوحيدة أمام انحسار نجوميته بقوة.
كل ما تقدم لا يدفع إلا إلى الحزن، كونه ينم عن نجم كلفته نجوميته غالياً، رزح تحت وطأتها وراح يتخبط يميناً ويساراً، ومازالت ملابسات وفاته غامضة، ونواح كثيرة في حياته أيضاً، وإن كان من فيلم سيصنع عنه فإنه سيكون تراجيدياً بامتياز، إذ إننا سنكون أمام شخص صعد كصاروخ وسقط بسرعة الصاروخ أيضاً، أراد أن يكون غير الذي هو عليه، فخرج حتى عن بشرته، حين تزوج كانت زوجته الأولى ابنة ألفس بريسلي، ثم تزوج ممرضة، وسرعان ما هجرهما، وآخر أبنائه مجهول الأم، وليمضي أيامه الأخيرة متخبطاً في ماضيه، الفرح الوحيد الذي لا يفارقه كان في أغانيه ورقصه، الذي ما إن تستعاد حتى تنزاح صخرة حياته الشخصية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news