القدس أبدية

بقسط من الأمل، وكثير من أبجديات الألم، وبصدور حاولت اتساع المدى، أقرها الوزراء العرب، عاصمة للثقافة العربية للعام 2009 ،كخطوة أولى نحو فك قيود الجغرافيا المصلوبة على مقصلة البغاة، نبشاً وتحريفاً وتخريفاً.

في المقابل، هناك من باغتته فكرة سد سقوف الجغرافيا، ورجم شياطين اللهو والعبثية، بشيء من وخز الذاكرة واستنطاق التاريخ على قاعدة «أن الأعمى إذا قاد أعمى مثله، فسيسقطان معاً في الهاوية»، ونحن إذ نحتفي بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام واحد فقط، فكأننا نضعها لقمة سائغة على موائد اللئام بقية الأعوام.

حيث ولدت من رحم جرحنا الغائر، كردّ عملي على إسقاطات الباغي الذي يحاول ترسيخها عاصمة أبدية لكيانه المحتل الغاصب.. فكرة إطلاق القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية، لوضع حد للصراع القائم بين شواهد التاريخ القديم المتأصل، وبين ارتهانات الجديد الطارئ. قد يبدو تكرار الحديث عن هذه الفكرة، أسفل الإشارة الموحدة حالة تضادّ وصفي، وكأننا نعيش الاغتراب الموحش بين المبنى والمعنى، أو كأن التاريخ لصّ اعتاد النهب دون محاكمة.

ظني وإن كان بعض الظن إثم.. أن أمة تصرف النظر عن إسقاطات الآخر، إنما هي أمة عاجزة من حيث تدري أو لا تدري عن الاحتفاظ بنقوش مفردات «الأنا» علامة مميزة للوطن.. وكأني أرى «درويش» يطل من الذاكرة وهو يقرأ من «لاعب النرد»:

يموت الجنود مراراً ولا يعلمون.. إلى الآن من كان منتصراً!

ومصادفة عاش بعض الرواة وقالوا:

لو انتصر الآخرون على الآخرين.. لكانت لتاريخنا البشري عناوين أخرى.

من هنا واستقراء للمعنى من المبنى دون تشنج أو ردح أو مديح أو قيامة، وبلا رعب أو وجل أو خوف أو دهشة أو فزع مما نناقش ونطرح.. يتساءل الإخوة كتّاباً وفنانين ومثقفين ومؤسسات، في جزائر الثورة، وقاهرة المعز، كيف يناطح المقلاع صاروخاً؟ أو يوقف الدرع قاذفة؟ أو يواجه السلاح الأبيض رصاصة؟ أو يهزم المكبل حامل الخنجر؟ دون التوقف عن ممارسة لعبة القبض على الماء، والسباحة بلا أجنحة في الهواء.

خلاصة القول في ما تبقى لنا من فتات الوقت.. هل سيختار وزراء الثقافة العرب الانحياز للقدس عروس عروبتهم؟ أم سيستدعون مظفراً للنواح؟!

وإن حدث وانحازوا للقدس، هل سيتوقف المثقف العربي أمام تنفيذ مطلبه ملء الوقت باتجاه الفعل؟

الأكثر مشاركة