دمعة حارقة وعشاء أخير

القدس دائما وأكنافها المستباحة دوماً، الشيخ جرّاح، رأس خميس، بيت حنينا،أنديتها، شبابها، أضرحتها، أسوارها، أسواقها، والطور العالي وما فيه من طير يلجأ إلى قبابها، والحمام ينوح وينوح، كما تقول«وين الملايين» .

لا بأس يقولون حين يتناولون «مانشيتات الصحف الصباحية، أو أخبار المنتصفات النهارية والليلة، والحال هو البؤس والبأس والشدة، والبؤس العالق بمخيلة الشباب المنهك من الوعود، المثخن بالمواعيد غير المقدسة للمدينة المقدسة، لأهلها الذين يطردون بالجملة وبالمفرّق، والبيت بيت الهجرة الثانية، والثالثة خيمة أم كامل، حتى هي ضاق بها الاحتلال ذرعاً فحملها على ظهر خيل لا تعرف أن القدس تتعشّق دقّاتها وتحن إلى وقع سنابكها، لكن الخيل غير الخيل، والخيّال غير ذاك المارق إلى حج مقدس، أو إلى علم ينفع به وينتفع منه.

وهناك تعد عشاء المساء للصغار المتعبين من نهارهم، خبز وملح وزيت مسكون بندائها المقدس، لحظاتأ تغافلهم لم يمضغوه بعد بأضراسهم النيئة، حتى تنهال عليهم أنياب الظلام الكاسرة لتضرس حلمهم واستعجالهم لحلقةأ من رسوم الحب المتحركة، أضاعوها عليهم. القدس هي القدس، والمخيم والشارع والرحيل والوطن الذي ينام على قلق فيها، القدس هي القدس، عاصمة الحلم الفلسطيني، وعاصمة الروح لكل من آمن بالله وبملائكته ورسله، وعاصمة كل من آمن بحق عباد الله على الأرض من الصالحين، وغيرهم، وعاصمة العرب ثقافة، وفكراً ووعياً، ونسياناً.

في القدس تُقتَل أحلام طفل وشهوته اللعب والنوم على كنبة الغرفة الضيقة أصلاً! من يتخيل المسافة الكلاميةأ يرى أن المسافة الحقيقية شطر دمعة وحزن جارف حارق، لن تنفع الدموع طفل العشاء الأخير ولا المشهد التلفازي الأخير، لن تنفعه ابتهالات أصحاب اللابأس، ولا حتى حوقلتهم التي تخرج من حناجر ممتلئة بغبار الأسئلة .