السقّا.. مهنة تتهددها «الأنفلونزا» في المغرب

بائع الماء مهنة صيفية لا تكاد تكفي صاحبها. ارشيفية

بملابسه الزاهية المزركشة وناقوسه النحاسي الذي يتردد صداه في الأمكنة المزدحمة التي يمر بها، اعتاد عمر ورادي (76 عاماً)، أن يجوب الشوارع والأزقة ليسقي الناس شربة ماء، خصوصاً في الحر القائظ.

يقنع عمر بدراهم قليلة يظفر بها، أو بمجرد دعاء الترحم على والديه، مما يشعره بالزهو لممارسة مهنة مغربية قديمة هي اليوم في طريقها للانقراض، بعد انتشار الأمراض المعدية كـ«الأنفلونزا» التي جعلت الناس يترددون كثيراً الآن في شرب أي شيء غير محكم التغليف.

يتذكر عمر مهنة «الكراب» أو السقا المغربي بين الأمس واليوم، حين كان لا غنى عنه في أي بيت مغربي، حيث يكلف في المدن بجلب الماء الى البيوت والحفلات والأعراس، بينما يتولى في الأسواق الشعبية والقرى مد الناس بالماء من قربته الجلدية المتميزة التي يحملها على ظهره.

يقول عمر الذي يمارس هذه المهنة منذ 52 عاماً « بالأمس كانت مهنة مطلوبة جداً قبل أن تزود جميع المنازل بمياه الحنفيات وتظهر قنينات الماء المعدنية».

ويضيف «الرزق بيد الله أشتغل في ذروة الحر وفي الشتاء أبقى عاطلاً عن العمل أنتظر الطقس المشمس والحار». يقول عمر «في السابق كانت لنا قيمة أفضل، أما اليوم فزبائننا في الغالب من جيل الأمس الذين يقبلون على ماء القربة المبارك».

وقد تجاوزت شهرة الكراب المغربي الحدود، وأصبح رمزاً فلكلورياً بملابسه التقليدية العتيقة والغريبة أحياناً. كما رسم بريشة فنانين كبار، خصوصاً الفرنسيين الذين كانوا في المغرب في فترة الحماية بين عامي 1912 و.1956

وصور الكراب مطبوعة على ملصقات المغرب السياحية الاعلانية وفي ردهات الفنادق السياحية الكبرى. كما قد يظفر الكراب بصورة تلتقط له مع سائح أجنبي تعود عليه بدراهم أكثر من تلك التي يجنيها من وراء سقاية الناس.

يتكون لباسه التقليدي الذي يكون عادة أحمر اللون، من قطعة من الصوف أو القماش الأحمر المزركش، ومجموعة من الأقداح مصنوعة من النحاس الخالص يعلقها على صدره، بالإضافة الى القربة الشهيرة المصنوعة من جلد الماعز بعد أن يتولى تنظيفها جيداً بواسطة الملح ومواد الدباغة.

أما قبعته المكسيكية الشكل فتقيه حر الشمس اللافح وتضفي بألوانها الزاهية رونقاً وأناقة محلية فلكلورية على لباسه التقليدي.

يتهافت أصحاب البازارات المتخصصة في بيع التحف القديمة على اقتناء أقداح الكراب وناقوسه النحاسي لجودة معدنها وندرته. يقول عمر وقد علق على صدره قدحاً أو «طاسة» كما يسميها، نقشت بداخلها آية الكرسي، ان عمرها يزيد على 30 عاماً ولم تعد موجودة في السوق.

رغم هرمه وتعبه الجسدي يشعر عمر بالواجب يناديه كلما اشتد الحر، حتى وان علم انه لن يجني سوى دراهم معدودة لا تكفي لسد متطلبات حياته اليومية.

وأغلب الكرابة المغاربة المتبقين، وهم قلة بالمقارنة مع السابق، تفوق سنهم الخامسة والخمسين، في مهنة لا تكفل لهم سبل العيش الكريم وليس فيها لا تقاعد ولا اي ضمان اجتماعي.

ويتحول أغلب الكرابة في الشتاء الى أشباه متسولين بلباسهم التقليدي يستجدون المارة. يقول عمر «هذه مهنة الخير والبركة من يمتهنها لا يرجو الغنى وانما أجرها أكبر من الدراهم التي لا تسد الرمق». الا ان المخاوف الصحية ربما تمنع الناس من التعامل مع الكراب مما يهدد مستقبل هذه المهنة.

يقول شاب قدم نفسه باسم حسن (23 عاماً) وهو طالب جامعي «من الصعب أن تصمد هذه المهنة ليس فقط لأن مصادر مياه الشرب أصبحت متوافرة، لكن الناس أصبح لهم وعي وهاجس صحي من مغبة مشاركة الآخرين الشرب من الكأس نفسها حتى ولو نظفت، أصبحنا نسمع عن أمراض لم يعرفها أجدادنا في السابق».
تويتر