بروين حبيب.. الشعر بأنماط مختلفة

31 قصيدة في ديوان بروين حبيب. تصوير: مصطفى قاسمي

في مجموعة بروين حبيب «أعطيت المرأة ظهري» نماذج تثبت مرة أخرى أنه حيث يكون هناك شعر فلا أهمية فعلاً للنمط الذي يأتي فيه، فحيث يكون الشعر يمكن أن يطل بأنماط مختلفة.

قصائد مجموعة بروين حبيب هذه لا تقتصر على تعدد طرق الاداء في القصيدة الواحدة، بما قد يختلف أحياناً عن طريقة الاداء في قصيدة اخرى، بل تتعدد انماط التعبير حتى في القصيدة الواحدة وبشكل لا ينتقص من جمالية القصيدة، بل قد يضيف أحيانا سبباً الى اسباب تأثيرها في النفس.

العاشقة

«قلت عند اللقاء

يدك الصغيرة

تلك اغنيتي..

ولما صدحت امنيتي في البهو

رحت تفسر الكلمات

بالكلمات

صرت الغريبة تحت انظار

وصرت الصمت

مرتعدا

يا من يكلمني واسمع صوته في خافقي..

اي هوى هذا الذي يملأني خوفا

ويجعلني حزينة.

ليتني كنت مساء ليس الا

ينظر العشاق عن بعد يمرون

ويفرحبالغياب

رجع اصوات وهمسا خافتا في غرفة

اي حزن ذاك

في امس

غريبا

مثل ايامي.



وشرط هذا التأثير هو الانفتاح الفكري على «المختلف» والخارج عن المألوف وتقبل الفني الجميل بأي من اشكاله، يعني هذا أن القارئ الذي لا يقبل من الشعر إلا التقليدي منه، رافضاً التصرف وفقاً للحاجة الفنية بما جمعه الخليل بن احمد والذي لم تألف اذنه سوى انماط محددة من الايقاع والقافية قد لا يعجبه هذا النمط.

وقد يكون الامر مماثلاً بالنسبة إلى «غلاة» المتحمسين لقصيدة التفعيلة بتعدد اوزانها وقوافيها، وحتى بعض المتحمسين لقصيدة النثر نفسها. ترى هل ننسى انه حتى في الحركات التحررية- فنية وغير فنية، التي عرفت عبر التاريخ ، كان دائما هناك محافظون منفتحون.

وبروين حبيب على ما في قصائدها الجميلة من انواع التفجر، الهادئ منها وغير الهادئ لم تخترع «البارود»، فقد عُرف قبلها، لكنها من الذين صنعوا مزيجهم الخاص ليحمل تجاربهم الخاصة بإيحاء وتأثير في النفس، كما يتصرف الفنان التشكيلي بالالوان الموجودة المألوفة ويأتي منها بصيغة تلائمه.

والشاعرة مولودة في المنامة، حيث تلقت تعليمها الثانوي والجامعي، واكملت دراستها الجامعية في القاهرة، حيث نالت الماجستير والدكتوراه. ومارست التعليم ودخلت مجال الاعلام التلفزيوني في البحرين، ثم انتقلت الى قناة دبي الفضائية معدّة ومقدمة لبرامج ثقافية.

مجموعتها الشعرية الاخيرة هذه صدرت في نحو 100 صفحة متوسطة القطع عن «الكوكب»، وهي فرع من دار «رياض الريس للكتب والنشر». قصائدها التي بلغ عددها 31 قصيدة متفاوتة الطول وردت تحت عناوين رئيسة ستة هي «شمس ايامي» و«ابتسامتي في التلفزيون» و«في ذكرى المطر» و«اربع بورتريهات للسيدة الصغيرة في مرايا الليل والنهار» و«الصدفة» و«في جوار المراة».

في قصائد بروين سمات ابرزها الصورة المؤثرة والموسيقى التي تراوح بين هدوء وشيء من الارتفاع دون صخب، وهناك فيض عاطفي دافئ لا يترك كلامها فيجعله اقرب الى دفق مشاعر ويبعد التقريرية عنه.

شعر بروين حبيب في تنقله بين وزن وآخر وقافية واخرى، وصولا الى الشعر الطليق الذي فيه ايقاعات دون قواف وبين هذا كله ونهج قصيدة النثر في القصيدة الواحدة احياناً، بل غالباً، يذكرنا ببعض انواع الموسيقى الحديثة في التنقل احيانا بين اجواء مختلفة وعدم التزام جو واحد.

ويبدو ان هذا الامر ليس من قبيل الصدفة او عدم ادراك الشاعرة تجاوزها حدوداً معينة، خصوصاً في مسائل الوزن ودخولها عبر اخرى، بل لعله قرار واع وخيار اتخذته لتجعل من كل ذلك خطوطا تميز قصيدتها.

فهو كما يظهر قرار واع ينتج عن ضيق بروتينية مملة، وعن خيار لنوع من الكتابة الشعرية التي تقوم على هذا المزج، كما نشهد عند عدد من الشعراء في هذه الايام، وحتى ما قبلها.
تويتر