رمضان 2009.. عودة مسلسلات السّيَر الذاتية
لم يستثن منتجو دراما رمضان الموسم الحالي من إنجاز أعمال تتناول السير الذاتية لأعلام التمثيل والطرب وأيضاً الأبطال الشعبيين، حيث عادت قناة دبي الفضائية إلى قرون بعيدة مضت لتستلهم قصة بلقيس ملكة سبأ، قاطعة الطريق على أي مشكلات قضائية دائماً ما يرفعها ورثة الشخصية الحقيقية، لا سيما أن مؤسسة دبي للإعلام قد خاضت تجربة سابقة قادتها إلى نزاع قضائي اعترف بحقها في بث مسلسل “نزار قباني” في عام 2005.
المفاجأة الحقيقية سواء للجمهور أو الوسط الفني والنقدي، هو مسلسل “ليالي” الذي ينسخ تفاصيل حياة الفنانة الراحلة سوزان تميم من خلال عرضه قصة حياتها ، وعلاقتها برجل الأعمال هشام طلعت مصطفى الثري الذي يتمتع بحصانة سياسية كونه عضواً في البرلمان المصري عن إحدى دوائر مدينة الاسكندرية.
وبإجابة تكاد تكون منسوخة بين أسرة العمل يصر كل من المخرج أحمد شفيق وكاتب النص أيمن سلامة وكذلك صاحبة الدور الرئيس الفنانة الشابة زينة، ومجسد شخصية رجل الأعمال الثري التي تلتقي لحد التطابق مع هشام طلعت مصطفى، الفنان عزت أبو عوف، على أن المسلسل لا يعرض من قريب أو بعيد للقصة التي ربما يسبب ثبوت تجسيدها درامياً صدور أحكام قضائية تلزم بالتعويض فضلاً عن وقف بث المسلسل.
وعلى الرغم من أن إشكالات هذه النوعية من المسلسلات أصبحت مكررة سنوياً وتنتهي في الأغلب لمصلحة استمرار عرض المسلسل، فضلاً عن التسوية المادية التي تتم بين جهة الإنتاج وورثة صاحب السيرة الذاتية الراحل، فإن حجم الجدل الدعائي الذي يتم سنوياً ويؤدي إلى ترقب الجمهور لعرضه يضاعف شهية المنتجين على قبوله، وهو الأمر الذي يبرر معاودة المنتج إسماعيل كتكت التجربة ذاتها بعد أن قدم لأول مرة العام الماضي مسلسل “أسمهان” الذي أجمع النقاد على أنه ضعيف فنياً واستثمر تلهف الجمهور لمعرفة المزيد من تفاصيل حياة النجمة التي شكل رحيلها لغزاً أثير حوله الكثير من الجدل.
إسماعيل كتكت
تجربة إسماعيل كتكت هذ العام دارت أيضاً حول صوت غنائي يمثل أحد الأعمدة الرئيسة للأغنية العربية في الستينات، وهي الراحلة ليلى مراد عبر مسلسل “قلبي دليلي” وهو العمل الذي بدأت مشكلاته مبكرا بصراع بين نجلها المخرج زكي فطين عبدالوهاب ووصل إلى ساحات المحاكم التي لم تقض بوقف عرض المسلسل كما أراد الأول بسبب عدم حصول المنتج على موافقة خطية من ورثة الفنانة الراحلة بالتطرق درامياً لسيرتها الذاتية عبر العمل الذي يخرجه السوري محمد زهير رجب، وكتب السيناريو الخاص به مجدي صابر، على الرغم من وجود مشكلات أكبر من المتوقع أن تطفو على السطح بين المنتج وورثة مشاهير آخرين سيتحتم التطرق إلى بعض تفاصيل حياتهم، لاسيما أن مراد كانت على علاقة قوية بالجالية اليهودية في مصر قبل أن تشهر إسلامها وتتحول عن الديانة اليهودية.
”العملاق” و”الأيام”
النجاح الذي حققته مسلسلات السير الذاتية منذ مسلسلي “العملاق” و”الأيام” اللذين تطرقا إلى سيرة كل من عباس محمود العقاد وطه حسين على التوالي، خفت كثيراً في أعمال درامية باهتة قبل أن يعيد تلك النوعية من الدراما إلى الضوء مرة أخرى مسلسل “أم كلثوم” الذي جسدت بطولته الفنانة صابرين في آخر أعمالها قبل ارتداء الحجاب، لكن أعمالاً على شاكلة “العندليب” و”السندريلا”، ثم “اسمهان”، أفقدت تلك الأعمال شعبيتها عند الجمهور، ولولا مرة أخرى غياب الكثير من التفاصيل عن حياة الزعيم العربي جمال عبدالناصر لما حقق المسلسل الذي حمل اسم “ناصر” أي حضور خلال موسم رمضاني شهد الكثير من الأعمال المهمة، دون إغفال سلبية مقارنة العمل التلفزيوني مع آخر سينمائي يسبقه بفترة زمنية وجيزة.
إشكالية المقارنة تبرز مرة أخرى مع مسلسل “أدهم الشرقاوي” بسبب الصدمة الكبيرة التي يلمسها المتلقي حين يستدعي من مخيلته الصورة القديمة التي حفرها المسلسل القديم ذو الأبيض والأسود وكان البطل فيه فنانا ذوو شخصية درامية مميزة في التلفزيون المصري وهو القدير عبدالله غيث، وكان الأجدر بالمخرج احترام تلك الصورة الأصيلة والزج بممثل يستطيع استثمار حضورها لدى المشاهد، بدلا من الاعتماد على شخصية تكاد تكون مناقضة وهي الممثل الشاب محمد رجب، وهو ما قد يضر بشعبية الأخير رغم قدراته التمثيلية التي لم يحسن توظيفها بقبوله إغراء تجسيد هذا الدور الصعب.
وإذا كان اعتماد مخرج مسلسل ليلى مراد على إحدى أشهر أغانيها عنواناً للمسلسل وهو “قلبي دليلي”، فإن استدعاء أحد عناوين أغنيات الراحل فريد الأطرش لإطلاقها على عمل يمثل السيرة الذاتية للفنان إسماعيل يس، يظل غير مبرر، حتى إن حمل معنوياً الإشارة إلى ضحكة النجم الكوميدي الراحل التي تميزت بها طلته على الشاشة الصغيرة، لكن اسناد دور البطولة للفنان أشرف عبدالباقي مبدئياً وبغض النظر عن مستوى تقمصه وإبداعه في الشخصية، يظل خياراً موفقاً لأسباب عدة أهمها، محاولة عبدالباقي الدؤوبة الاستفادة دائماً من إرث مدرسة إسماعيل يس الكوميدية، ولو بأسلوب جديد ينسجم مع خصوصية عبدالباقي من جهة دون أن يتنافر مع أسس المدرسة الياسينية في الكوميديا من جهة أخرى إن صح التعبير.
اتهام مردود
يعتبر كثير من النقاد أن انتشار مسلسلات السير الذاتية ينبئ بحالة إفلاس حقيقية في الكتابة والطرح الدرامي، فضلاً عن كونها حلا سهلا وهروباً لفكرة جاهزة جاذبة للجمهور بات الحصول عليها مفتاحاً لنجاح المسلسل. وأياً كانت دوافع المنتج فإن مسلسلات السير الذاتية تظل إضافة حقيقية للمحتوى الدرامي الرمضاني، وبمثابة فاصل درامي عن فوضى مسلسلات تحمل في معظمها قراءات فردية لا تقنع المشاهد، أو إحالات لأزمنة مضت دونما مبرر درامي.
وإذا كان التعرض للسيرة الذاتية لفنان راحل لا يخلو من مخاطر الملاحقة القانونية ممن يصفون أنفسهم بورثة الشهير الراحل، فإن اللجوء إلى حقب تاريخية قد لا يكون مثالياً تماماً كما هي الحال في “بلقيس” دبي الفضائية التي تغوص في أعماق ملكة سبأ، وقد يكون شديد الإشكالية فنياً كما يحدث حالياً في النسخة الجديدة من “أدهم الشرقاوي” التي استبدلت فيها ملامح الفنان عبدالله غيث بأخرى للممثل الشاب محمد رجب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news