«دراويش» تركيا في ضيافة أبوظبي

مقطوعات صوفية متنوعة قدمتها فرقة الدراويش في «قصر الإمارات». تصوير: مجدي اسكندر

 غلب جو من الخشوع والتأمل على الأمسية التي أحـياها أعضاء فرقة «الدراويش» التركية مساء أول من أمس، ونظمتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وبالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة التركية على مسرح فندق «قصر الإمارات».

وقدمت الفرقة لإحياء الأمسية خصيصا من مدينة قونية التركية، وهي مسقط رأس الشيخ جلال الدين ابن الرومي، مؤسس الطرق الصوفية، وهي مازالت مركز الطرق في العالم، بدعوة من الهيئة، على هامش معرض «الإسلام: عقيدة وعبادة» الذي يقام في «غاليري وان» في «قصر الإمارات في أبوظبي»، ويستمر حتى 10 أكتوبر . وتضمنت الأمسية ثلاث فقرات، بدأت بفقرة موسيقية قدمت فيها الفرقة مختارات موسيقية صوفية من مقام «حسيني وسقاه»، وحملت فيها المقطوعات الموسيقية قدراً كبيراً من الشفافية والخشوع، انعكس على القاعة عبر أجواء السكون والهدوء التي سادت المكان، على الرغم من الحضور الكبير الذي جمع عدداً كبيراً من جنسيات مختلفة، حيث استطاعت الموسيقى ونغمات الناي والدف أن تصل إلى قلوب الجمهور على اختلاف جنسياته، وتجاوز حاجز اختلاف اللغة.

وفي الفقرة الثانية من الأمسية، عرض فيلم وثائقي قصير يتحدث عن المدرسة الصوفية المولوية، وفلسفة جلال الدين ابن الرومي، استعرض خطوات التحاق الدرويش بالمدرسة، والتدريبات والمهام التي يجب أن يقوم بها، والمعارف التي يجب أن يلم بها حتى يصبح قادرا على الانخراط مع أعضاء المدرسة، وأداء الرقصة التي اشتهر بها الدراويش منذ عصور طويلة. موضحاً أن الطريقة تقوم أساسا على الحب، حب الإنسان وإعلاء كرامته في عصر كانت جيوش المغول والفرنجة تنتهك حرمة الإنسان، كما قدم صورا من تعامل الدراويش مع بعضهم ومع شيخهم في التكية.

وتضمنت الفقرة الثالثة، والرئيسة في الأمسية، عرض الدراويش، والذي بدأ بعد لحظات هدوء أحدثت في أجواء المسرح حالة من الترقب والصمت، تحول إلى خشوع عميق، مع الدخول المتتالي لأعضاء الفرقة إلى خشبة المسرح، وهم يرتدون عباءات فضفاضة سوداء، والطرابيش الطويلة المصنوعة من اللباد التي اشتهروا بها، وهي ترمز لحرف الألف الذي يبدأ به لفظ الجلالة، ويذهب بعضهم إلى أنها ترمز لشواهد القبور، فالملابس هنا تكمل معني رقصة الدراويش: فالعباءة السوداء رمز لأنهم تركوا ما يتعلق بالأرض، وأخلصوا النفس بثيابهم البيضاء، وترمز الطرابيش التي تشبه شواهد القبور إلى تركهم للحياة، وتطلعوا لحياة أفضل في السماء، مادين أيديهم نحو السماء كأجنحة الطيور والتنورات المحلقة.

وتنتهي مراسم دخول الدراويش بدخول «شيخ الدراويش»، حيث توجه إلى سجادة صغيرة من الجلد في طرف المسرح وترمز إلى الجلد الذي يرمز إلى الجلد الذي كان يجلس عليه الشيخ جلال الرومي، وسجد قبل أن يجلس عليها، ويجلس بعده بقية الدراويش، ثم يبدأ أحد أعضاء الفرقة بالغناء بصوت رخيم، يتبعه عزف شجي على الناي، قام معه الدراويش ليحيوا كبيرهم والجمهور من جديد، وفي خطوات مدروسة ليشكلوا ما يشبه الدائرة، وعقب ذلك، خلع الدراويش عباءاتهم السوداء، واصطفوا متجاورين يؤدون تحية خاصة بهم لشيخهم، كانت بمثابة الإذن لبدء رقصتهم الشهيرة التي تسمى بـ«الفتلة»، في خشوع ورشاقة بملابسهم البيضاء الزاهية، وهي تتم في دائرة، في دلالة للنظام الفلكي للكون، فهي نوع من التهجد أو النجوى التي تتصاعد بها الروح نحو السماء، و نحو خالق السموات و الارض، وهي تبدأ بطيئة وتنتهي سريعة، وأدى الدراويش أكثر من رقصة. وفي نهاية كل منها يقفون لتحية الشيخ، وفي الرقصة الأخيرة، تقدم الشيخ بخطواته الرصينة، حتى بلغ وسط الدائرة وخرج منها مرة أخرى، ليعود ليسجد ويجلس على سجادته الصغيرة، إعلانا بانتهاء الفقرة، ويرتدي الدراويش عباءاتهم السوداء من جديد، ويجلسوا أرضا، وفي الوقت نفسه يعلو صوت أحد أعضاء الفرقة بتلاوة لآيات من القرآن الكريم. وفي الختام يدعو شيخ الدراويش الحضور لقراءة الفاتحة، ينصرف بعدها مـن علـى خشبة المسرح، يتبعه أعضاء الفرقـة بهدوء، ترافقهم تحية الجمهور وتصفيقه لهذا النوع المتفرد من الفن العريق.

تويتر