رصف القدس القديمة

ضجيج اليومِ مختلفُ اللب، يأخذُ الوقتَ نحو المجهولِ الغريب.. فتُراكَ تلثمُ اللحظات كي تتسابقَ في مسارِ خطاها.. يومٌ في ديجورِ الحجارةِ الصامتة.. حجارةٌ كرصفِ سلسلةٍ تُزينُ صدرَ السماءِ الوردية.. ولا ينسى (المنسي من متنِ الكتابِ)، بوتقةَ عشقهِ في رحابِ أتربةِ الزمان.. رويداً رويداً، وترانيمُ الألحانِ من هاتفي أخذت بالزغاريدِ في دفءِ حقيبتي، فبت نحوَ الوجهةِ التي أردتُ لذاتي أن أمتطيها.. ظلالُ روحٍ تتسربلُ مع الشجنِ إلى شقوقِ التاريخ.. هكذا جاءَ وفي رفولهِ رخامةٌ تلفُ الزوايا.. كأنما في حضرةِ المجهولِ أسمحُ للمكانِ بمراقصةِ أطرافِ جسدي، كميلِ الثوبِ فوقَ خاصرةِ البوادي.. جاءَ والجيوبُ تبتلعُ كفيهِ في غمرةِ غوصٍ برحمِ الطمأنينة.. هالةٌ تجوبُ وريقاتِ الشجرْ، وتنهمر فوقَ وقوفنا، كليلِ القدسِ يطلُ من جبينِ الغيمِ خجلاً وَرِعاً.. حرفٌ يداعبُ حرفاً ويرتحل مع جموحِ الفكرةِ ويختبئُ بهدوءٍ سلس.. والقدسُ في حضرة الكونِ تجتذب خِصالَ حرائرها في ذواتنا.. نسيرُ فيها وموجُ البحرِ يتقاذفُ الأزمنة برونقٍ عجيب.. أحاديثُ القومِ وسلسبيل مطافهم، تتراءى في الأفق أمام مآقِ أعيُننا.. وتسألني القدسُ في لحظةٍ متسارعةٍ ما بينَ الأرضِ والفضاء.. هناكَ موكبٌ يزف أجيجَ ابتساماتي، ألا ألقاكِ خيلاً في مبتهلِ نقشِ الجموحِ والصهيل؟ فجاءني صوتهُ من على يميني، يباعدُ أضرحةَ الهواءَ ويشقُ الفراغَ نحوَ إصاخةِ السمْعِ، كأنما يا فاطمة جموحُ القدسِ في جعبةِ روحكِ يتمشقُ الذكرى ويتنهد.. فما كانَ من إطلالةِ وجهي إلّا أن تأخذَ زاويةً نحوَ مضيقِ مشرقها ومغربها.. خطانا تتخابطُ هنيهةً، تنحو بنا كَسِرْبِ الأحداثِ القابعةِ بينَ رموشِ الازدواجيّةِ الغريبة.. أطرقنا نسيرُ ولا ندري؟!، نسيرُ عل المسيرَ يغسلُ القَسَمات من ظلامٍ أطاحَ بها.. وأثناءَ المرورِ من جادةٍ تقرعُ بوابةَ الجوعِ بوجلٍ مَهيب.. بادرني حينها.. أيحقُ لرسمِ حبيباتِ الفولِ والحمص أن تحتلَ مكانها في دفينِ الألم؟ أجبتهُ: كيفَ لا ووجهُ الزيتِ فوقَ حناءِ الولادةِ يُجددُ الانتماءَ فينا؟ هَلمَ بنا.. فالجنونُ عارٍ بخلافِ أكذوبة الأجسادِ التي تُلقى فوقَ وضوحِ عُزلتها، وعُريها الآفَ الأقمشة.. جنونٌ يلقاهُ جنون، والنهايةُ تحتَ إطلالةِ (الجديدِ) تتقدم.. تسوقُ القافلةَ إلى مخدعها الأخير.. بينَ اخضرارِ العشبُ وتمشقِ السورِ لعبثيةِ هاماتنا، تلاقينا في خضمِ وداعنا نحو اللقاءِ القريبِ الحاضر.

الأكثر مشاركة