الأسرى المقدسيون.. حكاية ألم

أكثر من نصف الشعب الفلسطيني ذاق طعم الأسر.. ويقبع حالياً أكثر من 11 ألف أسير فلسطيني داخل السجون الإسرائيلية، وقضيتهم ليست مجرد قضية معتقلين، بل قضية ثمن وتضحية دفعوها من أجل القضية الأهم، وهي التخلص من الاحتلال. وتتصدر قضية الإفراج عن الأسرى أعلى قائمة المطالب الشعبية والرسمية الفلسطينية، باعتبارهم مناضلين قدموا زهرة حياتهم من أجل تحرر وطنهم. لكن، في المقابل، فإن السلطات الاسرائيلية مازالت تتعنت في هذه القضية، معتبرة الأسرى مخربين وإرهابيين هدفهم القضاء عليها.

لكن، للأسرى المقدسيين وأسرى الداخل وضع آخر ومعاملة مختلفة عن أسرى الضفة الغربية، ليس من باب تميزهم بالهوية أو الانتماء، فالأسرى قضيتهم واحدة، لكن، بسبب أن سلطات الاحتلال تستثنيهم من أي مشروع صفقة تبادل، وتعتبرهم «خونة» يستحقون العقاب، فيعاملون بطريقة مختلفة، ويسجنون في غرف منفصلة عن إخوانهم من أبناء الضفة الغربية.

قضية مؤلمة

وقال رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين، أمجد أبوعصب، إن «قضية الأسرى مريرة ومؤلمة، فمن جانب، فإن معاناتهم متفاقمة من محاولات إذلال وإخضاع وسوء عناية . ومن جانب آخر، يستثنون من كل صفقات التبادل والاتفاقات، وتوضع المعايير الظالمة والحاقدة ضمن معايير الهوية والانتماء والتهمة، باعتبار أن قضيتهم شأن إسرائيلي داخلي، ولا يحق لأي جهة، فلسطينية أم عربية، أن تطالب بإطلاق سراحهم».

واعتبر أبوعصب أن قضية الأسرى المقدسيين تندرج في سياق المحاولات الإسرائيلية المستمرة الهادفة إلى استبعاد قضية القدس عن جوهر الصراع، وترسيخها وتعزيزها عاصمة أبدية لها، فهي تتعامل مع أسرى القدس فلسطينيين داخل الزنازين، وتعتبرهم إسرائيليين إذا طرحت قضيتهم في مفاوضات أو صفقات تبادل.

وتزود وزارة شؤون الأسرى الفلسطينية الأسرى بمخصصات الكانتينه (الحصة الغذائية المخصصة للأسير شهريا) عن طريق شركة ددش الإسرائيلية التي ترفض إدخال المخصصات لأسرى القدس والداخل والجولان، وترفض أن يعقد أي لقاء بين وزير الأسرى وأي مسؤول فلسطيني مع الأسرى.

صفقة

ومع تزايد الحديث عن قرب إنجاز صفقة التبادل مع الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة جلعاد شاليت، يزداد الترقب والشوق الممزوج بالتخوف من ألا تشمل الصفقة أسرى القدس والداخل، حيث تعتبر صفقة التبادل الأمل الوحيد لكسر المعايير الإسرائيلية، ويأمل الفلسطينييون أن يتمسك آسرو الجندي بشروطهم.

ويقول أبوعصب «هناك تقصير كبير على المستويين الرسمي والشعبي، فالأسير مجرد رقم بعيد عن المعاناة السياسية والإنسانية، وفي الوقت الذي تحرك فيه الساسة الإسرائيليون لرفع قضية الجندي خفضت الأصوات العربية والاسلامية في هذا المجال، وشاهدنا الرؤساء الأميركي والفرنسي والإيطالي يتحدثون باسم شاليط وعائلته، علما أنه أسر خلال عملية عسكرية، واستطاع الإعلام الإسرائيلي تشويه صورة أسرانا الأبطال وتصويرهم على أنهم إرهابيون وقتلة».

وطالب أبو عصب بإيجاد استراتيجية واضحة للتعامل مع الأسرى، كما طالب الإعلام والمنظمات والحكومات العربية والإسلامية بإبراز الوجه الحقيقي للأسير الفلسطيني، كونه جندياً من جنود معركة إنهاء الاحتلال، مشدداً على ضرورة التركيز في معاناة الأسرى الذين مضيت على اعتقالهم سنوات طويلة، كما أكد ضرورة وضع قضية الأسرى على سلم الأولويات الفلسطينية والعربية والإسلامية.

قسوة

معاناة السجن واحدة بصور عدة، فالأسير يفكر دائماً في وضع وطنه الذي سجن من أجله، ووضع عائلته في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة، فالأسرى ليسوا مجرد أرقام، فلكل منهم قصة وامتداد وعائلة، يعيشون في ظروف قاسية للغاية من ناحية مكان الاحتجاز الذي يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، في غرفة صغيرة تملؤها الرطوبة وسوء التهوية، وتنتشر فيها الحشرات المختلفة. كما يمنع الأسير من لقاء أقاربه وأصدقائه، بحجة الحفاظ على الامن، وتقتصر الزيارات نصف الشهرية على الأقارب من الدرجة الأولى (الأم والأب والأخوة)، كما أن بعضهم ممنوعون من الزيارة بحجة أنهم أسرى سابقون.

وتعدالزيارة محطة أخرى من محطات المعاناة، حيث يضطر الأهالي للتوجه في الصباح الباكر والانتظار الطويل للزيارة، بعد المرور بإجراءات تفتيش دقيقة وسوء معاملة، ولا يدوم اللقاء سوى 45 دقيقة. ويحرم أسرى عديدون من التعليم وقراءة الكتب والصحف ومشاهدة المحطات الفضائية، ومن الحصول على العلاج المناسب، وأدى ذلك إلى سقوط شهداء عديدين، حيث بلغ عدد أسرى القدس الشهداء 14 أسيراً، وحبة المسكّن هي العلاج السحري لكل الأمراض. وهناك إهمال واضح في علاج الأسنان، حيث توضع شروط لزيارة الأطباء الحاصلين على ترخيص إسرائيلي، وليس لديه أي إشكالية أمنية، إضافة إلى الانتظار لفترات طويلة.

وذكر أبوعصب أن 67 أسيراً مقدسياً يعانون أمراضاً مزمنة، ويتناولون الأدوية بشكل متواصل، ومنهم علي شلالدة الذي يرقد في مستشفى سجن الرملة منذ 14 عاماً. وعلاء البازيان الذي يعاني مرض السكري وفقدان البصر منذ 30 عاماً، وتم استئصال الطحال ويعاني من ضغط الدم. وعصام جندل أجريت له عملية في كلتا عينيه. وأكد أن مستشفى الرملة يفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير اللازمة لمعايير المستشفى.

معاناة 

صلاح الحموري يحمل الجنسية الفرنسية، معتقل منذ ست سنوات، رفضت مصلحة السجون الإسرائيلية طلباً تقدمت به فرنسا، ما يعتبر تمييزاً عنصرياً واضحاً لدى أوروبا وأميركا في التعامل مع الأسرى.

أم لؤي عودة وزوجها محرومان من زيارة ابنيهما منذ سنوات، لأنهما كانا معتقلين، وله شقيق واحد يزوره فقط، لأن كل إخوته معتقلون.

أبو أحمد عطون ممنوع من زيارة ابنه الأسير عضو المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد عطون، كما أن أحد أفراد عائلة المسلماني محروم من زيارة شقيقه منذ 12 عاماً.

عبدالناصر الحليسي معزول منذ أكثر من 10 سنوات، ومعتز حجازي معزول منذ 13 سنة.

فؤاد الرازم أمضى 29 عاماً في الأسر، اعتقل وكان عمره 23 سنة، وهو إمام مسجد ومدرس للشريعة، توفيت والدته وهو في الأسر، ووالده شيخ كبير لم يزره منذ ثلاث سنوات.
تويتر