الظاهري: أوقفت صحيفتي "النخي" تحاشيا للإنجليز
يمثل الحديث مع مصبح بن عبيد الظاهري تجربة حقيقية، ورحلة مثيرة في الزمان والمكان. والظاهري، البالغ 113 عاماً، من أوائل الصحافيين في الإمارات، حيث أسس جريدة «النخي» في 1934 التي أوقفها «تحاشياً للإنجليز الذين كانوا غير راضين عن مقالاتي السياسية». تعتبر حياة النفي الحافلة بالإنجازات، ونموذجاً للعطاء والنجاح المرتبط بالعزيمة والإصرار والصبر. تعلم الظاهري الكتابة والقراءة والحساب على يد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الأول الذي توفي في ،1945 عم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات. وإضافة إلى دوره الإعلامي الريادي، هو تاجر بالفطرة، وهو أول من أسس بناية مكونة من طابقين مبنية من الطين، وأول من بنى مقهى شعبي في العين. وعايش الكثير من تفاصيل الحياة قبل قيام الاتحاد.
ويروي مصبح الظاهري لـ«الإمارات اليوم» «تعلمت قراءة القرآن على يد المطوع حمد بن حمدون في العين لفترة بسيطة، وبعدها تعلمت الكتابة والقراءة والحساب على يد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد الأول، لأني قضيت طفولتي وترعرعت في كنفه، وكنت أتنقل بين مدينة أبوظبي وواحة البريمي، ونهلت من العلماء والتجار الذين يزورونه، منهم خلف بن عتيبة أحد كبار تجار اللؤلؤ في المنطقة، وكنت أحرص على زيارتهم ومجالستهم والاستفادة منهم، وأستفيد من وجودي مع الشيوخ في تعلم أصول الإدارة والتجارة، الأمر الذي ساعدني في تأسيس تجارتي الخاصة، حيث قمت ببناء محال تجارية من الطين، ومغسلة خاصة للثياب، وكنا نغسل الملابس بالطين، ونفركها في الطين، ثم نضعها في مياه الأفلاج، حتى تنظف وننشرها حتى تجف، ولم نعرف ماكينات للغسيل والصابون، إلا بعد مجيء الجيش البريطاني». وأضاف «وقتها، افتتحت أول مقهى شعبي في مدينة العين، يخدم سكان العين والبريمي عند جمعية العين التعاونية الحالية، وكان بمثابة ملتقى ثقافي وترفيهي للسكان. كنت وقتها أبيع فقط النخي والشاي والقهوة التي كنت أجلبها بكميات كبيرة من دبي على ظهور الجمال، وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يزور المقهى، ويأتي معه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، ويسمع لهموم الناس ويعمل على قضاء حوائجهم بكل حب».
حكمة الغزالي
وأوضح الظاهري أن فكرة إنشاء صحيفة «النخي» راودته عندما لاحظ ضعف الإقبال على شراء النخي في المقهى، «وقتها أحضرت ورقة كبيرة من الكرتون وأخذت أكتب عليها مقالاً دعائياً عن فوائد النخي، وان الاستمرار في أكلة يعيد للجسم حيويته ونشاطه وطاقته، وتحديداً لدى الرجال. وبدأ الإعلان يلفت انتباه سكان العين والبريمي، ومن لم يُجِد القراءة كان يستعين بأحد ليقرأ له، وقمت وقتها بتعليقها على باب المقهى، والذين يمرون ويقرأون يعتقدون أن هذه حكمة منقولة من كتاب الإمام أبو حامد الغزالي، حيث كان الكتاب متداولاً في المنطقة، وزادت مبيعات النخي بشكل كبير، ولم أتوقع أن تفعل القراطيس الورقية في الناس ما فعلته».
وأضاف «تطورت فكرة الإعلان، فصرت أكتب على الورقة أخبار الناس، المواليد والوفيات والأعراس والطلاق في مناطق العين، وزوار مدينة العين والبريمي، وجريان الأودية، ووصول القوافل التجارية التي تأتي من أبوظبي ودبي والشارقة، وأحوال الطريق من العين إلى أبوظبي، ومن العين إلى دبي، إضافة إلى ما كنت أسمعه من أخبار الإذاعات، خصوصاً إذاعتي «صوت العرب» و«لندن»، ورحت أصدر قرابة 10 نسخ من الصحيفة بشكل أسبوعي، ثم زودت المقهى بجهاز أسطوانات غنائية وموسيقية تسمى «البشتختة»، اشتريتها من البحرين، وكنت أضع أغنيات قديمة لمطربين خليجيين، أمثال محمد زويد وسالم الصوري.
راديو
وقال الظاهري «أضاف جهاز الراديو إلي الكثير في كتابة الأخبار العربية والعالمية، وله قصة رائعة، حيث فوجئت يوما بجندي بريطاني جاءني إلى المقهى ومعه راديو، واستغربت منه، وسألته عن هذه الآلة، فقام بتشغيله ليعرفنا إليها، لكننا ذُهلنا واستغربنا عندما سمعنا الصوت يخرج من الجهاز. بعدها، بدأ الزبائن يكبرون ويستعيذون بالله من الشيطان الرجيم، ظنا منهم أن الجهاز مسكون بالجن، واغلبهم أصبح يفر من شدة الخوف، لكن الجندي أغلق الراديو، وبدأ يشرح لي حتى اطمأننت، فطلبت من الجندي البريطاني أن يبيعني إياه، ووافق وباعه لي بـ25 روبية، وكان هذا مبلغاً كبيراً».