القدس.. جمرة النزال
في الغناء، عادة ما ترى خيوط فرح مكسوة بعشب نافر على جدران القلب، وعلى منازل العيون التي تدفق حنينها برغبة تفيض الرقصة منها.. في الحداء، تتعالى العنّات، وتلمس راحة المساء، لتزداد نار البيدر اشتعالها، ويرّن الكعب على الأرض، ليوقظ الغلة من سباتها التعب من مشاوير الحصاد.. في البكاء، تتجمّر حشيشة القلب وتشتعل لترى أكف الحزن تلطم خد الفجيعة، لتصاهر النواح على ما سكبته الغربان من حميم مسنون على أحلام الرقصة والغناء والحداء.. «في كل بيت عرس ودمعتان».. والعرس خارج النشوة.. والدمعة خارج الحزن والأسيل الناعس بالوجع.. والحدث المفجوع بما التم عليه من مخرزٍ ينهشه ويغرس فيه حتى قرارة النزف الدائم.. والجمهور المثخن بالصمت يصفق ويصفق، ويطلب إعادة المشهد من جديد.
نبكي علينا ونفرح بنا.. ونغني ونرقص ونبتهل، ونعيد العرض كل مرة بثوب مختلف وبأداء جديد.. والفكرة هي الفكرة، والكلمات ذاتها، والجمهور العريض لايزال يطلب المزيد من الوجع ومن الرقصات.. الرقص على الجرح والرقص على الفرح والرقص على ما تبقى.. إن بقي شيء نبكيه ونغنيه.. ونعلو به الصوت.. إن بقي الصوت على ثماره المنهوبة من خفّاش الليل.
الحكاية هي ذاتها تعود، ونرفع هذا الصباح عنواناً جديداً ومصطلحاً جديداً نسيناه بعرف التناسي وغياب السؤال عن الحال والأحوال.. المرابطون.. المرابطون هنا وهناك.. والمسجد المرابط على أرض الرباط والثغر المكشوف والمحطوم الظهر تنهال عليه حطامه، وحطام التصفيق وهتافات الجمهور المثخن بعرضه وطوله بالشجن غير المألوف.
هي القدس نشرة أخبار وعنوان الصحف، وامرأة تشعل جيدها بنار الحسرة والألم وسقوط المعاني وغياب شريط الأخبار، ونقل القنوات إلى قناة أكثر فتنة وراحة بال من مشهد العرس الفلسطيني الذي لا ينتهي.. فسلام على القدس، وعلى الرباط والمرابطين.