عاصمة أبدية للثقافة العربية
اللحظات الأخيرة تحك جلد الوقت، واللحظة تذوب في اللحظة تتوارى خلف حلكة كان الأمل بها أن تنير أرصفتها المعتمة مصابيح الوعود الكثيرة، أرصفة تحمل أرواح أجساد أنهكها الانتظار ورائحة الطين المبتل بعرق نهارات تختبئ كلما لاح وجه المغيب الغريب في جيب أسوارها، واللحظات تقترب من نهاية المسافة التي لم تبدأ بعد، وكأن الحَكم بصافرته ينهش جلد الوقت كي يصرخ من شدتها، وكأن السؤال هل اكتفيت؟.. والسؤال المقبوض بالجمر بين شفتي الحدث ولا أحد يريد أن يصرخ أو يرغب به ويكتفون بالعض على شفتي السؤال.. لا أحد يريد أن يقول ما يجب أن يقال عن سيل الوعود التي لبّدت سماء القدس بها، وأن الريح لم تأتِ حاملة صعقة البرق لتغسل كلاحة الغرباء عن حجارتها وتعيد الارجوان ليفتتح نشيد فيروزها كل صباح.
لا أحد يريد أن يصرخ من وجع انتظارها فهناك سُدّة ممتلئة بالصراخ والكلام والهتاف.. وكأن المطلوب أن نصل إلى حالة الاستجداء كي ترْتق القدس جيوبها التي تهرأت بفعل فئران تقضم وتنهش جذرها بحثاً عن سفر حكاية مفقود لم يكتب أصلاً، وثمة أسئلة كثيرة لم تنجز إجابتها بعد، والقدس جمرة النزال مازالت على حالتها من اكتظاظ حواريها بانتظار سيل الوعود ودفق الكلمات والشعارات التي جرت أنهارها على سهوب الصحف وتثاقلت غيومها في فضاء التلفزة وفضاء الشبكة العنكبوتية.
ثمة من ينادي بأبدية القدس كعاصمة للثقافة العربية، وثمة حراك في إعلاء هذا الشعار، الشعار الذي لن يكون أكثر من مجرد شعار يُعلن عنه ويمضي.. فالقدس لا تحتاج إلى شعارات، والقدس لا تحتاج إلى مصطلحات جديدة، فالقدس هي القدس اسم بلا اصطلاحات.. هي القدس.. لا تحتاج أكثر من حياة لها، من خلال ترميم الوعي بها في أوساط أجيال تنمو وتكبر على شاعرات.. والتربية على هذه الحالة تستقضي بالأمر إلى حفظ شعار ومصطلح جديد.
ومع ذلك وكل هذا ننحني بمحبة وتقدير للمنادين به والقائمين عليه، ولكنّ الثناء المطلوب على هذا الشعار يحتاج إلى فعل على الأرض وحراك لا تخطئ بوصلته.. حتى تعالج ما كان من قصور واضح فاضح في سياق عامها الخاص حين تم اختيارها كعاصمة للثقافة العربية لعام ،2009 هذا العام الذي لم تكُ حسابات حقوله تتطابق مع حسابات بيدره.. ولم يتماها الزرع مع ما جنيناه وما جنته القدس من بذار الكلمات ومن مطر القول الغزير الذي هطل في ما سبق الإعلان عنها عاصمة للثقافة العربية.
والذين لم يصرخوا بإعادة السؤال.. جدّوا واجتهدوا وفعلوا بما تيسّر لهم.. أولئك الذين حثوا ما لديهم من حب ومن طاقات للقدس ولعامها.. واجترحوا المعجزات كي تكون القدس على أقل تقدير حدث العام.. ولا عام غير أعوامها المتبقية في ذاكرة أجيال يعرفونها ويعشقونها ويفعلون ما تستحق من الفعل.. دون مصطلح أو شعار جديد.