عبدالرحمــــن عــــلاوي يهجر السـياسة ويلجأ إلى «الورق»
يبدو أن السياسة أتعبت عبدالرحمن علاوي، فهجرها لاجئاً إلى عالم من ورق، وتخصص حصرياً في نقل كتب لأديبات عربيات إلى اللغة الألمانية، عسى أن ينقذن ما يمكن إنقاذه، ويرممن صورة تشوهت في مرايا العالم الغربي. وبعدما أمضى نحو 30 عاماً في ميادين العمل السياسي، واجتاح الشيب شعره، قرر أن يفتش عن معنى يراه حقيقياً وصادقاً ومعبراً وجميلاً.
كان علاوي يعمل في حقل السياسة الشائك، إلى أن أصبح نائباً لمدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في ألمانيا، من 1977 حتى ،1982 وسفيراً في هولندا، ثم الدنمارك منذ ،1986 إلى أن استقال في ،1994 معلناً الطلاق مع العمل السياسي الرسمي الذي «لم يثمر، ولم يحقق نجاحاً حقيقياً في طرح القضايا العربية بشكل صحيح لدى الغرب».
يقيم علاوي المولود في بلدة كفر قرع الفلسطينية في ألمانيا منذ 41 عاماً، بينها سنوات قضاها في دول وفق مواقع عمله. وعلى الرغم من أن السياسة «شيبته»، إلا أنه لايزال يغذي روحه بالمغامرة والحيوية، إذ توجه إلى ميدان الثقافة التي يرى أنها قادرة على تحقيق ما خربته السياسة، «الأدب يمثل نافذة مفتوحة على حياة المجتمعات وهمومها وأحلامها، ويسهم بشكل حقيقي في تعزيز الحوار بين الشرق والغرب».
هذه هي النتيجة التي توصل إليها عبدالرحمن علاوي، فأسس داراً للنشر باسم «مؤسسة علاوي للنشر» في مدينة كولونيا في ألمانيا العام الماضي، شاركت في معرض فرانكفورت للكتاب.
وحول تخصص الدار بترجمة نتاج أدبي لكاتبات عربيات إلى الألمانية ونشره في بلاد غوته، يقول علاوي الذي التقته «الإمارات اليوم» في أثناء افتتاح الدورة الـ28 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب «الأديبة العربية سفيرة ثقافتنا إلى المجتمعات الغربية التي لديها صورة مشوشة ومغلوطة عن المرأة في الوطن العربي، إذ تراها رهينة المحبسين، البيت والتقاليد القديمة، وهي غير فاعلة في المجتمع». لذلك، يعمل على تصحيح تلك الصورة النمطية من خلال نشر ما يسمى «الأدب النسائي» العربي، ليبين أن «المرأة العربية فاعلة، ودورها الثقافي واضح في المجتمع، وليست حبيسة المطبخ، فهي تسهم بحيوية في تنمية المجتمع ودورها مؤثر فيه».
وأشار إلى أن عدد الكاتبات العربيات اللواتي وصلن إلى مستوى إبداعي عالمي تزايد في السنوات الأخيرة، بعد مرحلة من التراجع، وإنهن عبر أعمالهن الأدبية أكثر قدرة على بناء جسور التواصل مع المجتمعات الأخرى. كما أنهن قادرات على رصد تفاصيل في المجتمع لا يراها الكاتب الرجل، إذ يرى علاوي أن «المرأة العربية أكثر جرأة من الرجل في التعبير».
3 روايات
وبعد إصدار ثلاث روايات، هي «ليلة الحنة» للفلسطينية نعمة خالد، و«أبنوس» للسورية روزا ياسين حسن، و«لولو» للسورية عبير أسبر، يؤكد علاوي أن مشروعه سيشمل نشر أعمال أدبية لكاتبات من مختلف الدول العربية، ومن بينها «تم الاتفاق مع أكاديمية الشعر في أبوظبي لنشر مجموعة من الشعر النبطي باللغتين العربية والألمانية لشاعرات من الإمارات». كما أنه اتفق مع عدد من الكاتبات لنشر أعمال لهن، ومنها رواية «دفاتر الطوفان» للأردنية سميحة خريس التي ستصدر في فبراير المقبل، وروايتها «الصحن» لتصدر في أكتوبر المقبل. أما رواية «قناديل الجليل» للفلسطينية مي جليلي فتصدر في مايو المقبل.
كما تصدر دار علاوي للنشر رواية «فتنة» للإماراتية أميرة القحطاني، ورواية للسعودية بدرية البشر «هند والعسكر» في أكتوبر المقبل.
ويشير علاوي الذي يعمل معه فريق من الألمان والعرب إلى أن تأسيس دار نشر تُعنى بالأدب العربي المترجم إلى الألمانية في بلاد بريخت يعتبر «مغامرة حقيقية، لكن لابد منها»، معولاً على دور الأدب في فتح آفاق للحوار بين العالمين العربي والأوروبي. ويوضح صعوبة التنافس في سوق الكتاب الألمانية التي كانت مغلقة لسنوات طويلة أمام الكتاب العربي، باستثناء مبادرات ومشروعات ترجمة فردية.
ويخطط الناشر الذي فر من العمل السياسي إلى حقل الثقافة، لنشر كتب في المسرح والقصة والدراسات الأدبية، إضافة إلى الرواية والشعر. كما يسعى إلى توسيع دائرة الترجمة من اللغة العربية إلى لغات أوروبية أخرى بالإضافة إلى الألمانية. وعلى الرغم من الواقع الصعب والتحديات، إلا أن علاوي يعبر عن تفاؤله وإصراره على مواصلة مد الجسور الثقافية عبر لغة الأدب. ويوضح أن معدل نشر الكتب العربية المترجمة في ألمانيا يبلغ سبعة كتب في السنة، بينما يصدر في ألمانيا نحو 90 ألف كتاب سنوياً، منها 70 ألفاً لإصدارات جديدة.