يوسف خوري.. إماراتي يسكن بين التحف
على مدار أكثر من 40 عاماً، جمع الإماراتي يوسف خوري أكثر من 20 ألف قطعة نادرة من جهات وبلدان كثيرة، بدءاً من هواية جمع الطوابع التي كان شغوفاً بها منذ الصغر، ومرورا بجمع أقدم أنواع الكاميرات والتحف والأباريق والإكسسوارات الذهبية والفضية، إضافة إلى المصاحف والأناجيل الأثرية والنادرة، ولا نستطيع أن نقول انتهاء لأن خوري، وإلى اللحظة، لم يتوقف عن ممارسة شغفه، فهناك دائما من يأتي إليه بقطعة تأخذ عقله حسب وصفه، أو يشد هو رحاله مجهزا حقيبته التي لا تبرح ساحة المنزل إلى الوجهة التي سمع بوجود قطعة معينة فيها، كان يتمنى أن تكون لديه، فمنزل خوري ساحة معروضات عشوائية، وكأنها ركام تشكل على مرور السنين والأيام، فالسير خلالها صعب من دون الارتطام بقبعة فارس عتيق، أو بحذاء محارب روماني،أو رؤوس حيوانات محنطة، ولكن أقرب القطع إلى قلبه هي التي تخص دولة الإمارات.
وقال يوسف خوري لـ«الإمارات اليوم» «أحتفظ بأولى الألعاب التي وصلت إلى الدولة، وكان من الصعب أن يقتنيها غالبية سكان أبوظبي، ولكني كنت ابن تاجر يبيع تلك الألعاب، لذا، احتفظت بها إلى اليوم». وأفاد بأن بريد دبي كان السبب الرئيس لهوايته الأولى في جمع الطوابع، حيث لم يكن في أبوظبي بريد حينها، وكان يقتنص أي رسالة لدى والده أو الجيران لينزع الطوابع على الفور. ويأمل خوري أن يجد مكانا ملائما لخزن أو عرض قطعه، وجلب خبير لتأريخها.
أصل الرواية
و قال خوري «بالرجوع إلى الوراء 40 عاما، كان ما يشدني شيئان: الطوابع والعملات. ومازالت الطوابع موجودة لدي، وهي الأغلى والأقرب إلى النفس. أما العملات، فقد كانت أبوظبي مقرا للتجار يأتون اليها من كل صوب، فالأوردو الهندية كانت حينها العملة المستخدمة، والتومان الفارسي كان عملة معترفا بها أيضا، وتطورت لدي هواية جمع العملات مع مرور السنين، وأصبحت لدي مجموعة كبيرة وقيمة». وذكر أن لديه عملات مصنوعة من الجلد ومن الفخار ومن الذهب الأصيل ومن البردى من كل بقاع الأرض، ناهيك عن الأحجام والألوان والاختام التي تميزت كل حقبة فيها عن الأخرى. وأوضح خوري أن أكثر المقتنيات قيمة معنوية بالنسبة له هي أولى ألعاب الأطفال التي دخلت الدولة، وكانت غالية آنذاك، على الرغم من بساطتها. فها هي الممشاة، وهي عصا تنتهي بعجل بلاستيكي يصدر أصواتا جميلة نتيجة كرات صغيرة في داخله، ويوجد أيضا البلبل المحاط بالورود الذي كان يدور عبر مفتاح يدوي يلف إلى آخره، ويصدر صوتا شبيها بصوت طائر البلبل. وهما من بين ألعاب كثيرة في منزل خوري، معروضة بنفس طفولي له علاقة بالذاكرة.
عشوائيات
وعلى الرغم من أن خوري لا يعرف أصل القطع الموجودة لديه، وغالبا لا يريد ذكر ثمنها، إلا أنه يتعامل مع كل قطعة لديه وكأنها جزء منه، «فهذه القطع غالية على قلبي، ولي علاقة خاصة جدا معها، ولا أستطيع إلا أن أحضنها وأتأملها لساعات من دون ملل أو كلل». ويقول أيضا وهو يجوب أروقة غرف منزله الواسعة التي لا تخلو أي منها من زوايا وصناديق مملوءة برائحة الماضي «أنا من الأشخاص المتعلقين بالذاكرة، لأنها التي تعينني على قسوة أيامنا هذه، وعلى الخوف من الغد». يحكي خوري ويسرد قصصا مفهومة وغير مفهومة وهو يحمل تحفه ونوادره، فتارة تراه يهرع إلى إنجيل صغير بحجم عقلة الإصبع متباهيا ويفتحه مؤشرا إلى خارطة فلسطين داخله، مكتوبة عليها مدنها وقراها بالمسميات العربية، وليس العبرية. ويترك إنجيله وينتقل إلى أصغر كاميرا في العالم والتي، حسب خوري، كانت تستخدم لغايات التجسس. ويذهب بعدها إلى ركن آخر، مظهرا صابونة هتلر المرسوم عليها شعار النازية، فخوري يفرض على محاوره أن يكون شاهدا لا متحدثا، لأنه يعمد إلى اطلاعك على مقتنياته، من دون أن يعطي المجال للأسئلة أن تخترق حاجز قيمة الاشياء لديه، حتى أن التسلسل في طريقة المشاهدة عشوائي، ويشبه إلى حد كبير عشوائية مقتنياته، فتراه ينظر تارة إلى الحائط المملوء بالساعات القديمة المختلفة الحجم والنوع، وتارة ينتقل إلى البروجيكترات المتنوعة، ناهيك عن خزانة كبيرة تضم أنواعا للكاميرات القديمة، اليدوية منها والآلية، وأجهزة التحميض المختلفة وكيفية تطورها.
صحف وموسيقى
ومن دون أي مقدمات، يقرر خوري الكشف عن صحف فرنسية وإنجليزية كانت تصدر في عام .1866 وفي هذا التاريخ، لم تكن الكاميرا من الأجهزة المنتشرة، وكان الصحافي يستعين برسام ليرسم له صورا تعبر عن مقالته، فجريدة لندن نيوز وجريدة لوباتي جورنال الفرنسية صفحات أشبه بمعارض فنية، لدقة الرسم التعبيري الذي كان يحكي القصة الصحافية بشكل مباشر، كما أن جميع صفحاتها ملونة بألوان الطبيعة التي تمنح شعورا مفعما بالحيوية، وتعطي مذاقا خاصا للقراءة.
وينقل خوري نظره فجأة، محدقا حوله، وكأنه يبحث عن شيء فاته الحديث عنه، يتوقف أمام غرامفون عمره أكثر من 100 عام، ويخرج أسطوانات قديمة، ويقرر أن يسمع لصوت الفنان الكويتي عبدالله فضالة، ويقول بتحدٍ «هذا الفنان من الممكن أن ذاكرة الكويتيين نفسها نسيته، أما أنا فمازلت أحتفظ بصوته الشجي»، على الرغم من أن الصوت الخارج من الجهاز القديم ليس بذلك الوضوح، «لكنه الإحساس بعراقة من مضوا، وتركوا آثارهم في قلوبنا».
طريقة الجمع
يقول يوسف خوري عن طرق جمعه مقتنياته، إنه بشكل عام يكلف أشخاصا موثوقين عنده للبحث نيابة عنه عن أي قطعة قد تشكل إضافة لمجموعته، ولكنه يشد رحاله إذا شعر بأن هناك قطعة تستحق السفر إليها والتفاوض على سعرها. ويقول« لا أنام لمدة أسبوع كامل إذا لم أحصل على القطعة التي أريد». موضحا أن في الدول التي يقصدها «أسواق القاع»، وهي مسمى يطلق على الأسواق القديمة التي تحتفظ بالقديم من الأشياء المختلفة، ومنها إيران ومصر وروسيا والهند ودول من المغرب العربي، وقال«في أحيان كثيرة، يتصل بي أشخاص، ويعرضون عليّ قطعا خاصة بهم، وإذا اقتنعت بها، اشتريها على الفور».
وعن ردة فعل عائلته على هذا الشغف، خصوصا أنه يحتل غرفا كثيرة من منزله، قال «أولا زوجتي، رحمها الله، كانت تدعمني كثيرا، وأبنائي وبناتي يسألونني دوما عن آخر قطعة حصلت عليها، وهم بالفعل خير مشجع لي، ولكن، لا أحد منهم أصابته عدوى هذا الشغف إلى الآن».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news