العيد في لبنان.. أفراح تتحدى الوضع السياسي
إنه عيد التقدمات والتضحية، تذبح فيه الأضاحي وتراق الدماء طاعة لله وإطعاماً للفقير، ولزوال الشر والحسد وتغيير مصير الإنسان نحو الأفضل. ولايزال اللبنانيون المسلمون يمارسون عاداتهم الدينية والاجتماعية الخاصة بعيد الأضحى، على الرغم من الوضع الاقتصادي المتردي والأوضاع السياسية غير المستقرة.
ويتميز العيد بوجه وخاصية اجتماعية، تتبدى بممارسات تمثل قيماً إنسانية متوارثة، يتم خلالها التعبير عن الفرح والعطاء والتواصل ومساعدة الغير، تضاف إليها مظاهر احتفالية تزيد سنة بعد أخرى، وتعكس مظاهر مدينية تتكئ على معطيات معاصرة. وتزدان المدن والقرى اللبنانية في عيد الأضحى بالزينة، وتتدلى المصابيح الكهربائية والعبارات الدينية من شرفات المنازل، وتنتشر عبارات التهنئة للحجاج، خصوصاً «حج مبرور وسعي مشكور» في الأحياء وعلى مداخل المنازل.
وقالت وفاء جابر «يسمى هذا العيد عيد (الضّحيّة)التي تذبح عادةً على العتبة، لأنه بذلك تحل البركة على أهل البيت، ويزول عنهم الحسد. ويسمى أيضاً العيد الكبير، لأن فيه يحصل الحج، ويتم تزيين الشوارع والبيوت التي ذهب أصحابها إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ويتم تزيين بعض البيوت بهدف إسعاد الأطفال». وأضافت «لكن الفرحة الكبرى للأطفال تكون بشراء الملابس الجديدة والمفرقعات والعيدية»، وهي نقود تعطى للأولاد من المهنئين بالعيد.
وذكرت أنه كان للضائقة الاقتصادية التي يمر بها لبنان منذ أكثر من 10 سنوات أثر كبير على تقاليد عيد الأضحى، «إذ لم يكن يخلو بيت من (أضحية) إلا بيوت الفقراء، أما اليوم، فلا نرى في البلدة سوى أضاحي قليلة، لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة».
ويقوم المسلمون بتحضير بيوتهم وتنظيفها استعداداً لاستقبال العيد، كما يزورون أقاربهم ويعايدونهم، ويقومون بتحضير الضيافة التي تتألف من الكعك والقهوة المرة والسكاكر والشوكولاتة وكعك العيد. ويشتري الموسرون الحلويات من المحال المشهورة، وهي باهظة الثمن. وإذا كانت أصناف الضيافة في عيد الأضحى لم تتغير، فإن معظم الناس باتوا يبحثون عن النوعية الأرخص ثمناً ، بسبب انخفاض مستوى المعيشة.
وقالت ماجدة قمر: «في هذا اليوم، يعيّد الناس بعضهم بعضا، قائلين (ينعاد عليكم بالخير والبركة، وكل عام وانتم بخير، وأضحى مبارك)، وبعد صلاة العيد، يذهب المحزونون إلى المقبرة لزيارة الأضرحة، وتذهب النساء إلى القبور، تحملن معهن الأزهار، ويوزعن الحلوى على فقراء يتجمعون لهذه الغاية».
ومن العادات أن يذهب الرجال إلى المقابر لقراءة الفاتحة على أرواح أقربائهم المتوفين، من دون أي مظهر من الحزن، ومن ثم يعودون إلى بيوتهم ويتابعون ممارسة عادات هذا اليوم. وقالت قمر«بعد الصلاة، يذهب أهل القرية لمعايدة المحزونين، ومن ثم معايدة الأقارب والأصحاب، ومن العادات تقديم المعمول والقهوة المرة من عائلة المتوفى للزائرين، ويقدم غير المحزونين الشوكولاتة والمعمول والكعك والقهوة المرة».
وقال مدير مدرسة للمرحلة الثانوية، إبراهيم صفية، «يدّخر الفقراء المال الّلازم للعيد كل حسب إمكاناته، ويجهدون في تأمين كل ما من شأنه إسعاد أولادهم، وبعضهم ربما يستدين لكي لا يحرم أولاده فرحة العيد». وأضاف: «تعمّ البهجة المدن والقرى اللبنانية يوم العيد، خصوصاً عند الصباح، إذ يذهب الجميع الى الصلاة، ويعودون لتحضير الفطور، ثم يذهبون لمعايدة الأهل والأقارب. ويقدم رب الأسرة لأولاده الكبار والصغار الهدايا أو مبالغ تسمى (العيدية) عربون محبة». وقال صفية «يعايد الناس بعضهم في يوم العيد، ويقدم الاغنياء المساعدات المالية التي تناسب وضع الذي يقدم المساعدة من جهة، وحاجات من تقدم له المساعدة من جهة أخرى». وأضاف «يتم ذبح الأضحية بعد ظهر يوم العيد، أو في اليوم الثاني من أيام العيد، ويجب أن يسيل دم الأضحية على التراب، أو في قناة تسيل فيها المياه، ويقول الجزار قبل الذبح (سبحان من حللك للذبح على نية صاحب الأضحية)، أو (من أجل راحة فلان أو سعادة فلان ...) . ويتوافد الأقارب والأصحاب من دون حرج للمشاركة بتناول طعام الأضحية التي يوزع لحمها كلهً للفقراء والأصحاب والأقارب. لكن، على الرغم مما يعانيه الإنسان العادي في لبنان من ضائقة، يبقى العيد بالنسبة للمؤمنين موعداً لتجديد العهد مع الخالق، تتجسد فيه كل القيم الإنسانية الدينية والاجتماعية ، ويراق فيه الدم، فتغسل ذنوب الإنسان، ويغدق عليه الله من خيراته».