لكل دبكة ملامح تعبر عن حياة الناس. تصوير: جوزيف كابيلان

رقصات وطبول ومواويل في «القــرية العالمية»

تختلط الأغاني والأهازيج ووقع الأقدام على الأرض في القرية العالمية في دبي، ويتجمهر الناس حول الفرق الفولكلورية، ربما لتنشيط الذاكرة واستعادة الايام الجميلة المرتبطة بأغنية ما أو موال أو رقصة. 

 فن أصيل

قال مؤلف كتاب (الثقافة الفلسطينية .. فلكلور وعادات)، غسان عابدين، وصاحب محل متخصص لبيع الأثواب الفلسطينية، «لكل دبكة في بلاد الشام ملامحها الخاصة التي تكتسبها من طبيعة حياة الشعب، والوضع العام لكل بلد، فلا تختلف الدبكات عن بعضها بعضا في فلسطين أو سورية أو لبنان، إلا بالابتكارات الخاصة لكل بلد، والتي تريد تمييزها عن الآخر، وأخيرا، تعرضت الدبكة الشامية بشكل عام إلى هجمة صهيونية، حيث حاولت إسرائيل أن تجعل من هذا الفن الأصيل في أراضي بلاد الشام فولكلورا إسرائيليا، ما جعل كثيرين من أصحاب الفرق في بلاد الشام يكرسون جهودهم للمشاركة في محافل داخلية وخارجية كثيرة، تمسكا وإبرازاً للتراث الذي هو جزء من الهوية. والدبكة بشكل عام مجموعة من الشباب يرتدون لباسا موحدا وفتيات يرتدين الأثواب المطرزة، شابكين أيديهم ببعضهم، لتبدأ أجسادهم بالتمايل، بداية مع غناء المغني الذي يصدح بمواويل مصاحبة في أغلب الوقت مع نغمات الناي، إلى أن يعلن وبصورة حماسية غناءه إحدى الأغاني الشعبية والمتعارف عليها في المنطقة مع دق الطبول، وتبدأ الأقدام بضرب الأرض بخطوات موحدة ومتفق عليها، كأنها جسد واحد».

وأوضح عابدين أن هناك ثلاثة أنواع للدبكة متصلة بطبيعة المنطقة المنقسمة إلى مدن وقرى وبادية، فهناك دبكة الطيارة التي تتميز بالإيقاع السريع، ويجب على من يريد رقصها أن يتميز باللياقة والقدرة على ملاحقة أقرانه في الفرقة، ودبكة الدلعونا، وهي الأكثر شهرة ، وهي ذات إيقاع متوسط، بسبب تخللتها ارتجالات من المغني، والتي يعطي من خلالها فرصة للدبيكة، ليتمايلوا إلى جانب بعضهم، وتوجد أيضا دبكة زريف الطول التي تدبك عادة في الأعراس، حيث تحكى فيها صفات العريس والعروس. وأشار عابدين إلى دبكة الدحية التي تنتشر في الأردن وبوادي بلاد الشام، وتقال فيها عبارات لا يفهمها إلا البدو، وتستخدم فيها أيضا الخيول والجمال .


ويختلف الفولكلور الشعبي في تقديم نفسه من بلد إلى آخر، وهو نوع من الفنون، يعد على حد تعبير بعض من استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم من أهم الدلالات الحضارية في تاريخ البشر، فالأهازيج والألعاب الشعبية والعروض الفنية هي عناصر للهوية.

قالت رشا وهاب من فلسطين «آتي إلى هنا في كل عام لزيارة القرية العالمية، وأستمتع كثيرا بما تقدمه فرق الأجنحة من رقصات شعبية». مشيرة إلى أن «التناغم في الإيقاع في لبنان وسورية وفلسطين والأردن يؤكد وحدة تلك الدول بالتاريخ والحلم والهوية». ويوافقها الرأي محمد يسير من سورية الذي قال «الدبكة الشامية تؤكد أصالة بلادنا الخصبة، فهي مرتبطة بخصوبة الأرض ومواسم الحصاد». وأضاف «لا يوجد أجمل من رؤية الشباب والصبايا وهم يرتدون الزي الشعبي القديم الذي كان الزي الرسمي لجدادنا وجداتنا، ويتراقصون على نغمات الآلات الموسيقية القديمة، ويضربون بأقدامهم الأرض دعوة إلى الخير، وتأكيدا للقوة».

وتقيم أم طوني (لبنانية)في الإمارات منذ 20 عاما، وتنتظر القرية العالمية في كل عام، لتستمتع بوقع أقدام الدبيكة اللبنانيين أمام الجناح الخاص بالقرية اللبنانية. وقالت « «الدبكة الشامية نفسها الفلسطينية واللبنانية مع تغييرات طفيفة في الحركات وابتكارها».

العصا المصرية

أكثر ما يميز الجناح المصري مسرحه الذي وبمجرد بدء لحن المزمار ترى الجنسيات المختلفة تجمهرت أمامه، للاستمتاع بما تقدمه فرقة البحيرة الشعبية المصرية من عروض متعددة. وقال محمد البهنسي (مصري) «أنا من أشد معجبي فرقة التحطيب، لأنني في الأصل من الصعيد، وهذه الفرقة بوجودها في دبي تشعرني بأني أجلس على تراب الأرض الخاصة بعائلتي هناك». موضحا أن لأسماء الرقصات التي تقدمها الفرقة علاقة بالموروث الشعبي الصعيدي، وإن فرقة التحطيب والعصا الصعيدية والسمسمية مسميات زراعية أكثر منها مدنية.

وتعد رقصة التحطيب أو العصا، حسب مدير الجناح المصري عاصم الشيخ، «رقصة كل الصعايدة». وقال عنها إنها تركز على المبارزة بين رجلين يحمل كل منهما عصا، وهناك رابح وخاسر، والفائز من يستطيع أن يلمس بعصاه أي جزء من جسم الخصم. وبالفعل، من يتابع الرقصة يشعر أنه يتابع مباراة مبارزة، ولكن بشكل فني، حيث تخفف الموسيقى من وطأة العنف الذي من المفترض أن يكتنف الرقصة، فتمر المبارزة بثلاث مراحل، في الأولى يدور اللاعبان على محيط الساحة، وترفع العصا فوق رأسيهما، ثم يقف اللاعبان أحدهما تجاه الآخر في (الرش)، يلف كل لاعب عصاه فوق رأسه من الخلف إلى الأمام، ويعاودان الدوران حول بعضهما، لتأتي المرحلة الثالثة والأخيرة التي ترتكز على اقتراب الخصمين، ليوجه كل منهما ضرباته إلى الآخر في أداء مسرحي غنائي فيه معان كثيرة.

وتقول أشلي فادي، الأميركية والمتزوجة من عربي، «أستمتع كثيرا بمشاهدة العروض المصرية، فهي مسلية جدا، والرقص الشرقي جميل وأتمنى لو أتقنه». وترى أن مصر تتميز دائما بتقديم شيء مختلف، فهي أم الحضارات.

العرضة النجدية

ولا يقل التجمهر أيضا عددا أمام العرضة النجدية التي تقام على مسرح قرية المملكة العربية السعودية، وهي نمط من الغناء الشعبي السعودي، تؤديه مجموعة رجال يتراصون إلى جانب بعضهم، يتمايلون ويغنون الأهازيج النجدية، ويصاحبهم قارعو الطبول الذين يحمسونهم بالرقص. وصفها حسن الأحمدي (سعودي) يزور الإمارات بقوله «هي أهم جزء من أفراحنا، وهي النمط الشعبي المعتمد في مناسبات وطنية وشخصية عديدة». وأوضح أنها تقام في الأفراح الخاصة بالدولة، وفي أفراح العامة من أعراس وولائم. وعن أكثر ما يميز هذا النوع من الفنون عن غيره، على حد تعبير الأحمدي، أنها تقام وقوفا، وكانت قديما تقام في أثناء الانتصار، خصوصا في خلاف القبائل بين بعضهم، وتستخدم الآن في المناسبات السعيدة كالأعياد والاحتفالات الوطنية وغيرها».

ويرى غسان عبيدات (أردني) أن العرضة النجدية من أجمل العروض الفنية التي تقدمها القرية العالمية. وقال «على الرغم من أن الشعر الذي يتغنى به رجال العرضة عادة يكون مرتجلا وكلمـاته غـير مفـهومة إلا من قبل الـبدو بشكل عام، لكنها تبعث السرور للنفس».

الأكثر مشاركة