تلويحة محبة.. من نابلس إلى القدس
إذا كانت مدينة بيت لحم قد رفعت نشيد البلاد احتفاءً بالقدس، عاصمة ثقافة العرب، في مارس الماضي من عام القدس الجاري، وعلت بنشيدها وبنشيجها عالياً معبأة بمحبة ودموع وفاء «المهد» التي تغسّل أبراج «القيامة» و«المسجدين»، وشَدَتْ بصوت البلاد كل البلاد للقدس، ورن النشيد مجلجلاً صوت الحكاية المقدسية من مهد المسيح عليه وعلى والدته السلام، ليسمعَ العالم كل العالم صرخةَ القدس التي تئن تحت سقف البؤس الواطئ من التاريخ الذي يُنهب على مرأى ومسمع الكون من دون أن يرفّ لهذا الكون الصامت حرف أو يتحرك ساكن، لما يحدث لهذه المدينة من تشويه وتحطيم وتكسير وتغيير لكل حجر وبيت وزاوية وطريق كانت ومازالت تحكي لغة الله وحرفه المبين الذي هبط به على أرض السلام برسالة السلام والهدي للعالمين.
إذا كانت بيت لحم مبتدأ النشيد الذي لم يبرح حدود الوطن المقطّعة أوصاله بفعل حواجز الذل والمهانة التي ينصبها الاحتلال على طرقاته المزروعة بالخوف ورائح الموت، ولمّا كانت بيت لحم جامعةً لعشّاق القدس احتفاءً بإطلاق فعاليات عامها الثقافي، تطل نابلس لتلف اليدَ على كتف القدس تمسح حزنها التاريخيّ وتطبع قبلةً على جبينها المعتّق برائحة الصبر.
هذه «شكيم كنعان الجدّ» على موعد مع إعلاء نشيد القدس في ختام عامها الذي يترك في قلوبنا حسرة ومرارة وحزناً لما كان من خذلان لمدينة مزّقت صرختها أحشاءَ الوقت وكبد السماء إلاّ من حدث عابر هنا وهناك، وكأن القدس لا ينقصها الاّ فعل راقص وتصفيق حادّ. ولعل مَن في القدس وأكنافها الذين اجتهدوا وما ضنّوا وما بخلوا يلفون حزنهم بعباءة ابتسامة تدمع من عيونهم على قلّة الوفاء لمدينة الناس كل الناس ليستقبلوا «قلّة» من الأشقاء الكثيرين بالمحبة لمدينة الله، وكان سعيهم مشكوراً ومقبولاً حتى نجددَ وإياهم البيعةَ من نابلس للقدس ليس عاصمة للثقافة العربية، أبدية كما يقول البعض، وإنما عاصمة تاريخية مازالت وستبقى لفلسطين التاريخ والحكاية والحضارة.
ولعلنا نرى «جرزيم» و«عيبال» في اخْضِرارٍ لسروهما وصنوبرهما يُزيّن قمتيهما من أجل القدس التي ستحضر بكامل حلّتها وحللها وأسوارها وأزقتها وجراحها ومعابدها إلى نابلس التي ستتلو آيات المحبة والوفاء لتوأم حكاياتها القدس.
هذه تَلويحَة محبة، وتَلويحَة وفاء، وتلويحة عزّ من نابلس شريان فلسطين الدافئ والدافق بالمحبة والإيمان لفلسطين، كل فلسطين.