«كلمـات».. امرأة واحدة ومشاعر متباينة

لوحات باسيل تجسد واقع الإنسان.                تصوير: أشوك فيرما

تعكس لوحات الفنان اللبناني جورج باسيل حالات إنسانية متعددة تمر بها المرأة، فوجهها الثابت يبوح بمشاعرها وانفعالاتها، ليتمكن عبر الفراغ المكاني والزماني الذي يقف عند لحظة معينة، ومن خلال لغة الجسد إبراز المشاعر التي تصل إلى مرحلة التناقض أحياناً. وبين القوة والأمل، تظهر نزعة الانكسار مع لمسة حزن عميقة، تدحضها نظرة تفاؤلية ملونة بالورود التي لم يتمكن حتى الضياع الموجود في بعض اللوحات من تشتيتها. وقدم باسيل في معرضه «كلمات» الذي افتتحته أخيراً «فينديميا غاليري» في «كمبينسكي مول الإمارات» لوحاته التي يمكن وصفها بأنها محاولة لتجسيد واقع الإنسان من خلال التكامل بين الروح والجسد.

ومن أهم محتويات المعرض الذي يضم أكثر من 15 عملاً لوحتان بارزتان، رسم باسيل في الأولى وجه المرأة على خلفية بيضاء، فبدت وكأنها مرسومة على الحائط، ومعروف أن هذا النوع من الرسم يتطلب الدقة في إبراز اللون وتوزيعه، فيما اللوحة الثانية توحي بمشاعر متباينة، إذ كانت ذات خلفية مموجة بالأسود، وعكست ألوانها القاتمة جواً من الحزن والهدوء الذي ينذر باقتراب العاصفة.

ولم تغب عن نساء باسيل الأنوثة الحالمة والحميمة والشاعرية التي تجسدت بوضوح في الأزهار التي حملتها النساء، والتي غالباً ما كانت أزهاراً تحمل مفاهيم محددة، فهي حمراء مفعمة بالرومانسية، أو زهرية اللون أو صفراء تمنح اللوحات بعداً أنثوياً.

الماكياج القناع

وعلى الرغم من عناية الفنان في مسيرته الفنية بلغة الجسد التي كانت بمثابة البصمة الخاصة له، ورسمه ملامح كثيرة من جسد الرجل أو المرأة، فإن معرضه أبرز الأنوثة بطريقة شفافة وناعمة مع التركيز على التعابير التي تظهر في الوجه من خلال العيون والفم على نحو خاص. وربما العيون الكحيلة والشفاه المحمرة هي الصيغة اللونية التي أراد بها باسيل إبراز مشقات وهواجس المرأة، فهي تارة مغمضة العينين حزينة، وتارة مهمومة ومنكسرة تبرز معاناتها بالألوان القاتمة.

ولعل رمزية الماكياج الذي رسمه الفنان اللبناني على العيون والشفاه، تمثلت في كونه قناعاً يوضع على وجه المرأة ليلبسها الحالة أو ليتممها، ليعبر ببساطة عن التكامل بين الروح والجسد. ولا يمكن منح امرأة جورج باسيل صورة محددة، فهي تَعْبر في كل لوحة من حالة إلى أخرى عبر الزمان غير المتناهي والفراغ المكاني، لتكون كل منهن جميع نساء العالم، في حبهن وغيرتهن وعذابهن وألمهن. ومن الجهة الأخرى، كانت اللوحات التي تبرز الوجوه فيها منقسمة دليلاً على التجاذب والنفور.

خارج عالمها

وقال التشكيلي اللبناني جورج باسيل لـ«الإمارات اليوم» إن الأعمال التي قدمها في المعرض لا تقصد عالم النساء على وجه الخصوص، بل تعبر عن الإنسان بشكل عام، موضحاً أن العمل الفني بالنسبة إليه ليس مبرمجاً، ولا يمكن للفنان أن يقصد في كل حركة أو لون أو خط معين فكرة محددة، لأنه يستخدم الرسم للتعبير عن هواجسه.

وأشار إلى أنه يعمل من خلال الرسم على لغة الجسد، لأنه لا يتقن العمل على أشياء أخرى، فهو يتقن كيفية التعبير عن الإنسان لأنه يفهمه، لافتاً إلى أنه لا يميز بين الجسد والروح حين يرسم، لأنهما مترابطان ولا يمكن الفصل بينهما. وأضاف «لا يمكن فصل الجسد عن الروح، لكن الجسد هو أول ما تراه العين، وبالتالي، مهما تعالينا على رغباتنا وغرائزنا، فنحن في النهاية موجودون على الأرض بأجسادنا التي يجب أن تُحترم تماما كالروح».

ونوه إلى أن الفن لا يخلق تابو في رسمه الأشياء التي يراها بعضهم غير مباحة، لأن الرسم يختلف عن الفنون الأخرى، كالتصوير الذي يظهر فيه التعبير أرخص، وقال «من الطبيعي أن يكون الفنان ابن بيئته، وبالتالي، لا شك أن الثقافة المفتوحة أو المحافظة ستظهر من خلال تعامله مع الأمور الحياتية التي تظهر في لوحاته، لأنه سيرفضها أو سينقلها كما هي، وبالتالي، ما قد يكون عادياً في لبنان قد يكون غير محبذ في دول الخليج، وهذا طبيعي بحكم التباين في الثقافات، وأعتقد أني لو كنت خليجياً مثلاً لرسمت بطريقة مختلفة».

 رجل وحيد

شمل معرض «كلمات» للتشكيلي اللبناني جورج باسيل الذي يستمر حتى الخامس من يناير المقبل لوحة واحدة لرجل، جاذبة للانتباه، كونها أبرزت رسالة الفنان التي تبين أن مختلف الحالات الإنسانية ليست حكراً على المرأة، موحياً كيف يمكن أن يعيش الرجل المشاعر والانفعالات نفسها، ولكن، مع اختلاف في كيفية التعاطي، كونه أكثر حدة وقوة من المرأة. وربما ما يمكن الإشارة إليه أن عنصر الجمال كان أكثر قوة مع لوحات النساء من لوحة الرجل، وربما يرتبط هذا الأمر بالشاعرية والرومانسية الحالمة التي تظهر في لوحات النساء، ومن الصعب أن تطبع عالم الرجال في الواقع.

تويتر