ميشيل خليفي: نواجه الصورة السلبية عنا بالسـينما

«زنديق» خليفي تغلب على أفلام مصرية وجزائرية ولبنانية مهمة في «دبي السينمائي».                     خاص بالإمارات اليوم

كأن المخرج الفلسطيني المهم ميشيل خليفي كان يعلم أثناء لقائه «الإمارات اليوم» الذي استبق إعلان الجوائز بيومين، أن الجائزة الأهم في مهرجان دبي السينمائي وهي جائزة المهر العربي للأفلام الروائية، ستُمنح لفيلمه «زنديق»، لذلك ارتأى أن يُصدّر حواره بتصريح «الحصول على ذهبية المهر لن يكون مؤثراً بالنسبة لي كمخرج، على الصعيد الشخصي، بل سيمثل رسالة تحفيزية بالغة الأثر لكل المخرجين الفلسطينيين، بأن هناك الكثير من الأمل في نفقهم الذي حفروه بأظفارهم على مدار عقود في سبيلهم للتأسيس لسينما فلسطينية تتنفس معاناتهم».

تصريح يصلح ليكون تعقيباً على قرار لجنة التحكيم الذي رأى في الفيلم الفلسطيني الكثير من المقومات التي جعلته يتغلب على افلام جاءت من دول عربية لها ريادة وتميز، سواء في الأفلام التي يحلو للبعض أن يلقبها بأفلام المهرجانات، قاصدين وفاءها لقيم فنية ونقدية بعينها، أو تلك المنتمية إلى السينما التجارية، مثل مصر التي شاركت بفيلمين هما «واحد-صفر» و«عصافير النيل»، والجزائر والمغرب، ولبنان التي جاءت بفيلم مسبوق بدعاية نقدية هائلة وهو «12 لبناني غاضب».

الصورة النمطية

صاحب «الذاكرة» الخصبة و«عرس الجليل» و«نشيد الحجر» و«قصة الجواهر الثلاث» و«الطريق 181 شظايا رحلة في فلسطين وإسرائيل»، جاء من بلجيكا التي يقيم بها، وغاص في مسقط رأسه رام الله، فخرج بـ«زنديق»، وكان يتصور أن يكون وجوده في دبي السينمائي مثل مشاركات فلسطينية كثيرة سابقة، احتفاء وتربيتاً على أكتاف مبدعين فلسطينيين صاغوا أحلامهم خارج حدود وطن سليب، لم يدخلوه إلا بإذن من سجانيه بدعوى تصوير فيلم سينمائي.

وكشف خليفة رؤيته كمخرج فلسطيني مقيم في بلجيكا حول واقع الصورة النمطية السلبية للعربي في الأفلام الهوليودية قائلاً «يجب علينا أن نقاوم تلك الصورة بالسلاح نفسه من خلال أفلام تصححها، بدلاً من الاكتفاء بالإشارة إلى نظرية المؤامرة، وعلينا أن نعترف بأن وجود صورة للعربي في تلك الأفلام حتى إن كانت سلبية، أفضل من الغياب التام، لأن الحالة الأولى يُرجى تصحيحها، أما الثانية فهي أكثر صعوبة لأنها تؤشر إلى حالة عدم اكتراث وتأثير تحتاج إلى وقت أطول للتغلب عليها».

وحول ما إذا كان «زنديق» قابلاً للعرض في دور السينما، قال خليفي «فيلمي لم يتوسل إلى شباك التذاكر، ومع ذلك فهذا الأمر تحقق لي في أفلام سابقة مثل (عرس الجليل) الذي شاهده في فرنسا وحدها نحو 100 ألف شخص»، لكنه تمنى في الوقت ذاته التأسيس لسينما فلسطينية جاذبة للجمهور، مضيفاً «هذا الأمر يحتاج إلى تعاقب حقب، وعمل متواصل باتجاه أفلام جاذبة للجمهور، وفي الوضع الراهن الذي تستحوذ فيه السينما المصرية على هذا الاتجاه عربياً، يبقى الأمر بحاجة إلى جهود مضاعفة لأن الأفلام المهرجانية تفتقر بالفعل إلى مقومات السينما التجارية، لكن المحفز أن هناك رغبة عربية قوية لرؤية أفلام من فلسطين، بعد أن نضجنا جميعاً مشاهدين ومبدعين بفعل أفلام مبهرة قادمة من مصر والجزائر وغيرهما من بلدان صناعة السينما العربية».

أستطيع أن أقاوم

رفض المخرج الفلسطيني الحائز ذهبية مهرجان دبي السينمائي في مسابقته الأهم «مهر الأفلام الروائية العربية» ميشيل خليفي، حالة العزلة التي تسعى بعض الآراء إلى فرضها بين المبدع الفلسطيني في الخارج والمجتمع الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي، مضيفاً «لسنا معزولين عن همّنا الفلسطيني، بل نحن جزء أصيل منه، ولا يمكن أن يُشكك أحد في مرارة افتقاد الوطن لمن هم خارجه، وإلا كيف نُفسر ظاهرة أن أكثر الأفلام الواعية بمأساة فلسطين يقوم بها فلسطينيون مقيمون بالأساس خارج حدود الوطن؟».

وأضاف خليفي «تطورت مشاعر الاغتراب والإحساس بالوطن لدى الفلسطيني المغترب بتطور وسائل الاتصال الحديثة، وإذا كان العربي الذي قُدر له مختاراً أن يستقر في بلد مغاير لبلده الأصلي، دون أن يفقده ذلك مشاعر الارتباط ببلده، فإن الأمر لدى الفلسطيني دون شك أكثر وصلاً في ظل قضية وطن وهوية وأرض شكلت وجدان الفلسطيني الذي يبقى غريباً سواء كان داخل حدود وطنه السليب أم خارجه»، مبيناً أن «زنديق والكثير من الأفلام الأخرى تثبت أنني، وغيري، نستطيع أن نقاوم حتى إن فصلتنا عن وطننا آلاف الكيلومترات على الأرض».

التعددية ضرورة

لكن خليفي أكد في السياق ذاته أن «ثراء السينما الفلسطينية يعود بالأساس إلى تلك التعددية الكبيرة في أنماطها واتجاهاتها، ما يجعلها أكثر تنوعاً من السينما المصرية التجارية»، مضيفاً أن «ميزة التعددية والتنوع قد تكون أهم ملامح تفرد السينما الفلسطينية في المرحلة المقبلة، وهو أمر يضمن لها أيضاً حضوراً مهماً على الساحة العالمية، وليس داخل منطقة بعينها»، مشيراً إلى أن تلك «التعددية ضرورة التفت إليها المخرجون الفلسطينيون أكثر من غيرهم منذ فترة مبكرة، على نحو يتواءم مع التطور الذي طال المجتمعات العربية وتقنيات السينما ومفاهيمها».

وفي حين أن هناك الكثير من الأفلام الوثائقية التي أنجزها فلسطينيون حول شهادات لفلسطينيين عايشوا أحداث العام ،1948 يدور الفيلم الروائي راصداً أحداث تصوير فيلم من هذه النوعية، ليكون المنتَج النهائي بمثابة فيلم داخل فيلم، فالبطل الذي يقوم بدوره الممثل الفذ محمد بكري جاء حسب قصة «زنديق» التي صاغها خليفي أيضاً برفقة الممثلة ميرنا عوض ليصور فيلمه الوثائقي، لكنه يتعرض لسلسلة تداعيات تنسج بين الوثائقي المستدعى من ذاكرة التاريخ والحقيقي نتاج اللحظة الراهنة، أما الخلفية النفسية فتدور حول بطل مأزوم يأتي إلى وطنه فيجد آخرين يتعقبون أفراد العائلة بسبب قتل ابن عمه أحد أفراد أسرة من الناصرة، في الوقت الذي يعيش عنجهية جيش الاحتلال اليومية مع أصحاب الأرض، لكن الإشكالية الذاتية للبطل تتمحور في حيرته بين مساندة ابن أخيه في التغلب على مخاطر الثأر وبين الهروب ثانية من واقعه والعودة من حيث أتى.

هي رواية للفيلم على لسان مخرجه ومؤلفه خليفي الذي يواصل قوله، إن «الخلط بين الزمنين جاء من خلال إبصار البطل الصور التي قام بأخذها وبين ذاكرته الشخصية وواقعه المعاش في لحظات لم يجد إلا سيارته سكناً له، فيبيت ليلته فيها، ليتم المزج بين الواقع والرؤية والحلم عبر تلاحم الوثائقي مع الروائي، والحلم مع الحقيقي، كأن الفيلم جدلية بين التيه في الواقع، والتيه في الذهن».

وحول الوحدة الموضوعية للأفلام الفلسطينية التي تكاد تتفق جميعاً على نسيان الهم الحياتي الشخصي في مقابل الغوص في معاناة الفلسطيني مع آلة بطش الاحتلال اليومية سواء داخل الحدود وفي عمق الوطن أم على أطرافه، قال خليفي «الأميركيون عندما يصنعون أفلاماً فلا يتوقع منهم التطرق إلى معاناة الفلسطينيين، ففي أفلامهم الجادة قد يتطرقون إلى قضية الضرائب والمنافسة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وغير ذلك من القضايا الأميركية الخالصة، أما أنا كفلسطيني فليس لدي سوى قضية جوهرية واحدة توحدنا جميعاً، هي صراع الوجود مع العدو الإسرائيلي الذي جاء ليسلبني الأرض، لذلك فإن المخرج الفلسطيني لا يختار معالجة هذه القضية، بل الأحرى أن تلك القضية الجوهرية تفرض وجودها على الفيلم الفلسطيني لأنها الكامنة وراء أسباب معاناة أي فلسطيني على اختلاف مكان وجوده سواء في الداخل أم خارج حدود الوطن».

تويتر