«من القدس إلى أبوظبي».. احتفاء بالأمل
صفحة جديدة من صفحات التواصل الثقافي العربي، والاحتفاء الإماراتي بالقدس عاصمة للثقافة العربية 2009 ،والأمل في أن تتغير معاناة الشعب الفلسطيني، شهدت انطلاقتها أبوظبي أول من أمس، تحت عنوان «من القدس إلى أبوظبي ثقافة واحدة»، والتي نظمها المركز الثقافي الإعلامي ونادي تراث الإمارات بالتعاون مع السفارة الفلسطينية لدى الدولة في مسرح أبوظبي في كاسر الأمواج.
فعاليات متنوعة تتواصل حتى مساء السبت المقبل، محملة بملامح من التراث الفلسطيني الغني، والذي انعكس تنوعه الكبير خلال معرض الأزياء والمصنوعات اليدوية والصور الفوتوغرافية. ضم المعرض الذي حمل عنوان «لن يقفل باب مدينتنا» مجموعة كبيرة من الأزياء الفلسطينية النسائية التي تتميز بتطريزاتها العربية والإسلامية الأنيقة، والتي اختلفت باختلاف المدن والمناطق الفلسطينية مثل ثوب رفح والحبر وبيسان ودير ياسين وشمال سيناء، وغيرها من المناطق. كما برزت في المعرض الدلالات الاجتماعية التي تحملها الأزياء الثقافية باعتبارها مكوناً أصيلاً من مكونات ثقافة المجتمع، من بينها ثوب الشبكة، وثوب ترتديه المرأة المطلقة الراغبة في الزواج مرة أخرى، وآخر للأرملة الراغبة في الزواج. كما خصص المعرض جانباً لمقتنيات قديمة من الأدوات النحاسية والفخارية التي كانت تستخدم في الحياة اليومية في فلسطين قديماً، إلى جانب مصنوعات خزفية حديثة.
ولم تغب صور معاناة الفلسطينيين في القدس عن المعرض الذي ضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي جسدت ملامح من المعاناة التي يجدها سكان القدس في حياتهم اليومية، وما يتعرضون له من تعنت وممارسات عدائية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى ملامح من صمود المقدسيين التي تجسدت في حرصهم على الصلاة في المسجد الأقصى الشريف، واحتفاظهم بمفاتيح منازلهم القديمة التي استولت عليها إسرائيل.
دعم ومساندة
أكد رئيس جمعية الهلال الأحمر السابق خليفة ناصر السويدي، أن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة يحظيان بمكانة خاصة في نفوس قيادة وشعب الإمارات، عارضاً أوجه الدعم الذي تقدمه الإمارات حكومة وشعباً للأشقاء في فلسطين لمساندتهم في نضالهم ضد العدوان الإسرائيلي، وهو الدعم الذي تعددت مجالاته وأشكاله، من بينها تكفل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بفرش المسجد الأقصى بأجود أنواع السجاد، وتحمل سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة نفقات ترميم أسوار مدينة القدس القديمة، وغيرها من الأعمال التي تجسد دور الإمارات الحيوي والمهم في الحفاظ على مدن فلسطين المقدسة من مخاطر التهويد على الإنسان والمكان.
|
تهويد القدس
تضمنت الأمسية عرضاً لفيلم وثائقي بعنوان «أسوار اسمنتية»، عرض معاناة سكان المناطق المحيطة بالقدس بعد بناء جدار الفصل العنصري، الذي زاد من صعوبة الحياة بالنسبة لهم، كما يرصد الآثار السلبية في اقتصادات هذه المناطق. وفي ندوة «الهوية الثقافية في القدس-خطر التهويد في الإنسان والمكان»، أكد رئيس أساقفة «سبسطية الروم الأرثوذكس» في القدس المطران عطا الله حنا، أن القدس بالنسبة له كمسيحي عاصمة الإيمان وكفلسطيني وِرثُ الأجيالِ والتاريخ، مضيفاً أنها عاصمة مدنية وسياسية لدولة فلسطينية مستقلة، وبناءً على هذين الأساسين يضع المسيحي الفلسطيني رؤيته في المدينة المقدسة، وهي رؤية شمولية لا تستثني أحداً بل ترى الجميع وتحترمهم، ومن ثم تلتقي فيها مع الفلسطيني المسلمُ أخًا ومواطنًا. وتحدث حنا عن موقف الكنائس المسيحية في فلسطين، مشيراً إلى ورقة تم وضعها وصياغتها لجميع مسيحيي الغرب تناشدهم دعم الحق الفلسطيني في القدس وتطالبهم بتحمل مسؤولياتهم.
حملة شرسة
وحذر أمين عام دار الإفتاء الفلسطينية في القدس الشيخ إبراهيم عوض الله، من حملة شرسة تستهدف تغيير معالم المدينة، ومحاولات إخضاعها للسيطرة الإسرائيلية الكاملة على أكثر من صعيد وبأكثر من وجه وبأساليب ووسائل عدة بدأت منذ الأيام الأولى لاحتلال المدينة المقدسة عام 1967 ،موضحاً أن الجهود العربية والإسلامية والدولية، لم تفلح لغاية الآن في كبح جماح الاحتلال عن مواصلة مخططاته الهادفة إلى تهويد القدس، بل تصاعدت وتيرة الهجمة عليها وبلغت ذروة لافتة للأنظار في السنوات الأخيرة.
وأوضح أن سلطات الاحتلال تلجأ لأساليب مختلفة بغية تحقيق أهدافها المعلنة والمبيتة للقدس ومقدساتها، خصوصاً المسجد الأقصى المبارك، من خلال المضايقات والاعتقالات وفرض الضرائب الباهظة والخنق الاقتصادي وتقطيع الوصال الاجتماعي وهدم المنازل والطمس الثقافي، والاستحواذ على القدس بمصادرة الأراضي والاستيلاء على منازل المواطنين ومحالهم التجارية بحجج وذرائع مختلفة ومختلقة. لافتاً إلى «الاستهداف الذي يتعرض له المسجد الأقصى المبارك وما يشهده من الحفريات الإسرائيلية التي تجرى على قدم وساق أسفل المسجد وتحت أساساته، الذي أضحى يقوم على أنفاق وحفر تهدد بنيانه، وتسهيل وصول المستوطنين إليه بحراسة سلطات الاحتلال ورعايتهم، وتتكرر محاولاتهم لاقتحامه، وإقامة شعائرهم في ساحاته، إضافة إلى الحديث الجدي عن استهدافه بالهدم، وما يشاع عن تخطيطهم لإقامة الهيكل المزعوم مكانه، فضلاً عن التأثير النفسي والمعنوي السلبي في العرب والمسلمين من خلال كسر شوكتهم في المسجد الأقصى والقدس».
وكانت احتفاليات القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 اختتمت بحفل فني أقيم في جامعة «النجاح» في مدينة نابلس في فلسطين. ومنعت الشرطة الاسرائيلية إقامة الحفل في القدس قائلة ان احتفاليات القدس عاصمة الثقافة العربية تنظمها السلطة الفلسطينية، ولذا فهي غير مشروعة. وقال المدير التنفيذي لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية لعام ،2009 فارسين أغابكيان «الحقيقة كانت سنة طويلة حافلة بالمشاق والانجازات، حيث قمنا بالاحتفاء بالقدس عاصمة للثقافة العربية تحت الاحتلال وهذا شيء صعب للغاية». وأضاف «الاحتلال يحاول بشتى الوسائل قمع أي نشاط أو احتفالية لها علاقة بالثقافة العربية أو أي شيء يثبت هويتنا العربية الفلسطينية في القدس المحتلة، وبالتالي كان هذا تحدياً كبيراً».
وحضر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحفل، حيث ألقى كلمة أكد فيها مجدداً أهمية وضع القدس في عملية السلام. وقال عباس في كلمته «لا فلسطين من دون القدس، وأي فلسطين من دون القدس؟ لا أحد يقبل، لا يمكن لأحد في العالم أن يقبل، القدس يجب أن تكون مقرونة بفلسطين، وفلسطين بالقدس ومن دون ذلك لا سلام إطلاقاً». وأوقد عباس شعلة في إجراء رمزي لانتقال عاصمة الثقافة العربية الى الدوحة في عام 2010.
ومن الفنانين العرب الذي شاركوا في إحياء الحفل المغني التونسي لطفي بوشناق الذي قدم أغنية خاصة للقدس ودعا الفنانين العرب الآخرين الى زيارة المدينة المقدسة والمناطق الفلسطينية. وأغلقت الشرطة الاسرائيلية خلال العام المنقضي العديد من الاحتفالات الخاصة باحتفالية عاصمة الثقافة العربية في القدس.
واستولت اسرائيل على القدس الشرقية وضمتها اليها مع أجزاء من الضفة الغربية، وأعلنت المدينة كلها لها. ولا تعترف الامم المتحدة والدول الغربية بالإجراء الاسرائيلي، بينما يطالب الفلسطينيون الذين يسعون إلى إقامة دولة، بأن تكون القدس عاصمة لها.
ويحمل معظم الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس بطاقات هوية تتيح لهم السفر بحرية الى اسرائيل، لكنهم لا يحملون جنسيتها. ويشكو هؤلاء من عزلة متزايدة عن إخوانهم في الضفة الغربية بسبب المستوطنات اليهودية والجدار العازل الذي تبنيه اسرائيل. وأطلقت منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية عام 1995 ،مبادرة اختيار عواصم للثقافة العربية، ونالت دمشق هذا الشرف العام الماضي.