«الأيام المصريـة» في «العويس» ختامها موسيقى
على مدار أربعة أيام متتالية شهدت مؤسسة العويس الثقافية في دبي عروضاً لعدد من الأفلام المصرية الرائدة في تاريخ السينما العربية، تم استباقها بندوة نقدية دارت ورقتاها الرئيستان حول «دور البطل» و«صورة المرأة» في السينما المصرية، فيما كان ختامها أول من أمس، الأول مع فرقة الموسيقى العربية للتراث التابعة لدار الأوبرا المصرية العريقة، ضمن فعاليات «أيام مصر الثقافية» التي اقيمت بالتعاون بين «العويس» ووزارة الثقافة والسفارة المصريتين.
ريادة الأفلام المعروضة وعدم جدتها، فضلاً عن البعد النظري للندوة جعلا ألق الأيام - جماهيرياً - يتبدى في ختامها متيحاً لعشاق اللحن الأصيل سهرة مميزة أعادت الحضور إلى عوالم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وإلى أسماء كبيرة في عالم الموسيقى العربية أمثال بليغ حمدي ومحمد الموجي ورياض السنباطي وزكريا أحمد وآخرين، حيث قدمت الفرقة لهم مقطوعات موسيقية منفردة تارة، وجماعية في سياق برنامج شكلت مجتمعة إطلالة على الجيل الذهبي للأغنية العربية، مثل '«لايق عليك الخال»، «يا ظالمني»، «مضناك جفاه»، وغيرها، عبر أصوات شابة سعت إلى تحسس أمجاد الموسيقى العربية.
«الزمن الجميل»
وبقيادة الموسيقار فاروق البابلي غاصت فرقة الموسيقى العربية للتراث عبر عقود لم تنجح في تغييب موسيقى «الزمن الجميل» لتقدم للحضور أولاً «لايق عليك الخال» التي أبدع ألحانها الموسيقار محمد الموجي، ثم «إن كنت ناسي» لرياض السنباطي، و«يا حلو صبح» للموجي،و«طير يا هوا» لبليغ حمدي، و«عيون القلب» للموجي، و«عندما يأتي المساء» لمحمد عبدالوهاب، أما أغنية «على اللي جرا» لحلمي بكر، فقد كانت بمثابة عودة حديثة إلى حد ما من تلك العقود ولكن بإخلاص أيضاً لأصالة النغم العربي، وكان عبر الشكل الجديد للثنائيات الغنائية التي قام بها هذه المرة سمر صفوت وياسر سليمان.
بداية المرحلة الثانية من السهرة كانت مع رائعة الموسيقار زكريا أحمد «أنا في انتظارك» التي شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم، لكن الفرقة اكتفت بالعرض الموسيقي، ليبقى المتذوقون في حال حالمة للصوت الكلثومي الفريد. لحن موسيقار الأجيال أطل من جديد عبر «مضناك جفاه» التي غناها الشاب مصطفى أحمد، ليعود إلى الآذان صوت الفنانة الراحلة فايزة احمد في واحدة من أشهر أغنياتها وأكثرها جماهيرية وهي «يا اما القمر عالباب» التي غنتها للحضور عزة نصر.
العودة إلى الإيقاع الشعبي المصري ظل سائداً عبر أغنية «جميل واسمر» التي صاغ ألحانها الموسيقار أحمد عبدالقادر وغناها للجمهور سمر صفوت ومحيي صلاح، أما «وحياتي عندك» للملحن صلاح الشرنوبي فشكلت إطلالة غنائية حديثة قياساً بغيرها، لتعقبها «يا ليلة ما جاني الغالي»، ثم «امتى الزمان» لمحمد عبدالوهاب، و«دليلي احتار» للسنباطي، قبل أن يكون الختام مع رائعة بليغ حمدي الوطنية التي أشعلت قلوب الحضور مرددين معها «يا حبيبتي يا مصر» لتكون الأنشودة إيذاناً بختام «الأيام».
«في انتظارك»
ثمة مقارنة مشروعة بين القديم في ثوبه الغنائي الأصيل بحضور مبدعية، وبين نسخة أخرى له عبر تجدده، فرض تحدياً كبيراً لدى المطربين الشباب حاولوا تفاديه بمزيد من التزام العُرب والتصرفات الفنية لرواد الأغنية العربية الذين انصهروا مع تلك الألحان والكلمات، فانصهر جمهور الأغنية العربية معهم، ليخلفوا إرثاً موسيقياً هو الأهم في تاريخ الأغنية العربية. «الاستراحة» التي حددتها تقاليد الحفلات الفنية التي تستوعب مطولات غنائية بـ15 دقيقة في حدها الأدنى، كانت بالغة الطول على الجمهور الذي حرص على العودة إلى مقاعده قبل أن يتهيأ المسرح والقاعة لاستقبال المزيد من الألحان المحيلة إلى ذلك الزمن الذي تمنى معظم الحضور عودة بهائه من جديد، وهي الرغبة التي أشارت إليها حماستهم الزائدة في التصفيق تعبيراً عن تفاعلهم مع إبداعات الفرقة العربية للموسيقى، التي استهلت بعدها بمقطوعة موسيقية منسجمة مع سياق حال الحضور ثم قصيدة «أنا في انتظارك» التي شدت بها كوكب الشرق، في الوقت الذي كان فيه الحضور منتظراً بالفعل سيادة ألحان «الزمن الجميل» لتنثر في أجواء القاعة عبق ألحان شرقية باتت مفقودة خارج جدران الفعاليات الثقافية الخاصة. |
وكانت «أيام مصر الثقافية» ، استهلت بندوة عن «البطل في السينما المصرية» أدارها رئيس مجلس أمناء جائزة العويس الدكتور محمد عبدالله المطوع، وشارك فيها الناقد السينمائي كمال رمزي و أسامة عسل، أحيث قدما تفصيلاً وافياً عن مراحل تطور صورة البطل في السينما المصرية منذ بداياتها حتى مراحل زمنية متأخرة.
وناقش رمزي بدايةأ صورة البطل الرجل في السينما، مشيراً إلى أن الأخوين الفلسطينيينأ بدر وابراهيم لاما، كانا من أوائل من فكر في صناعة النجم العربي بتجسيد شخصية الفارس العربي الذي كان يلبي حاجة نفسية عند الشعب العربي، لأنه يمثل تعويضا عن الهزيمة في الواقع. وتابع رمزي تاريخياً تغيرات صورة البطل الذي انتقل من البطل المقاتل الى الافندي الأنيق الطموح الذي يحطم حاجز الفقر ويرتدي الملابس العصرية، حيث كان يوسف وهبي خير مثال على هذا الأمر، بينما تتحول صورة البطل عند نجيب الريحاني إلى العفوية والبعد عن المبالغة، فلم يعد جمال الشكل مطلباً أساسياً في البطل وانما كان يماثل جمهوره ويحاكيهم لأنه خرج منهم، وهكذا تتغير ملامح البطل وشخصيته تبعاً لتغير الواقع الاجتماعي والسياسي.
وتناول عسل صورة المرأة البطل، مشيراً إلى دراسة أجراها الدكتور محمد يوسف وجدت أن 72٪ من صورة المرأة في السينما المصرية تحمل بعداً سلبياً بينما لا يتجاوز حجم الصورة الإيجابية 28٪، وعرض عسل نماذج المرأة في السينما التي شملت صورة الفلاحة بأشكالها الثلاثة «البائسة والماكرة والرمز الوطني»، وكذلك تقديم المرأة كجسد ممثلاً بمجموعة من بطلات الشاشة مثل هند رستم وبرلنتي عبدالحميد وناهد شريف وشمس البارودي ومديحة كامل، إضافة إلى صورة المرأة المعادلة للشيطان نفسه، مشيراً إلى فيلم «رنة خلخال» و«شباب امرأة»، وأكد عسل أن أقوى النماذج النسائية في السينما المصرية هي المأخوذة من الأعمال الأدبية لأنها قدمت شخصيات قوية وحية ونابضة بالحياة ترصد الظروف الاجتماعية التي أحاطت بالمرأة العصرية وأثرت في مسيرتها صعوداً وهبوطاً.
واختتمت الندوة بنقاشات جماهيرية مثلت وجهات نظر عبرت عن موقفهم من صورة البطل ورؤيتهم لواقع السينما، وجرى بعد ذلك عرض فيلم «الأرض» الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1970 عن رواية الكاتب المصري عبدالرحمن الشرقاوي وقامأ ببطولته محمود المليجي وعزت العلايلي ونجوى ابراهيم، ويمثل الفيلم واحداً من خمسة أفلام عرضت خلال الأيام الثقافية هي «القاهرة 30» و«أم العروسة» و«باب الحديد» و«غزل البنات»، فيما استضافت دائرة الثقافة في عجمان، أمس، حفلاً موسيقياً لفرقة الموسيقى العربية للتراث التابعة لدار الأوبرا المصرية.