خان: الـرقص وسيلتي لاكتشاف الحقيـقــة
قال الراقص البريطاني من أصل بنغالي، أكرم خان، إن الأجواء الروحية التي استشعرها في أبوظبي خلال زيارته الأولى لها العام الماضي، وتقديم عرضه الأول في المنطقة «أي.إن»، يفتقدها في الغرب حيث يعيش، وكانت من أبرز أسباب عودته مرة أخرى هذا العام لتقديم عرضه الجديد «الغنوص»، أو «المعرفة الروحية»، الذي سيعرض خلال الفترة المقبلة على مسرح أبوظبي. وأضاف «كلما تقدمت في العمر شعرت بأن الروحانيات تتراجع في مواجهة طغيان المادة على كل ما حولنا، وهو ما يصيبني بالإحباط، ولذلك شعرت بسعادة كبيرة في الحضور إلى أبوظبي التي وجدت فيها الأجواء الروحية التي افتقدها». وتوقع الراقص ومصمم الرقص المعاصر الفائز بجوائز عدة، أن تعزز أبوظبي وجودها على الساحة العالمية كأحد المراكز الثقافية البارزة، مشيراً إلى أن العالم يتغير باستمرار، ليس فقط في ما يتعلق بالاقتصاد والسياسة، ولكن أيضا من حيث مراكز الثقافة، وقد استطاعت العاصمة الإماراتية أن تشكل ظاهرة مميّزة في هذا المجال، وهو ما يعود إلى أسلوب تفكير القائمين على العمل الثقافي بها، وما يقومون به من أنشطة وفعاليات لاستقطاب أكبر شريحة ممكنة من الجمهور.
وأشار خان خلال المؤتمر الصحافي، الذي عقد أول من أمس في مسرح أبوظبي بكاسر الأمواج، إلى أنه في عرضه الجديد يعود إلى جذوره ليقدم الرقص الهندي الكلاسيكي الذي يعرف باسم «الكاثاك»، واشتهر بإجادته إلى جانب الرقص المعاصر، من خلال قصة ترتكز على أسطورة قديمة حول الملكة غانداري التي تتزوج من ملك كفيف، فتعصب عينيها طوال حياتها لكي تتبع زوجها، مع التركيز على علاقتها بابنها، ومن خلال ذلك يحاول العرض كشف مفهوم المعرفة الداخلية والرؤية المحجوبة، عبر أربعة فصول، ثلاثة منها يقدم فيها الرقص الكلاسيكي، قبل أن ينتقل إلى الرقص المعاصر في الجزء الرابع والأخير.
«صوفية»
أشار الراقص البريطاني أكرم خان إلى أن العرض يشارك فيه مجموعة من الفنانين والراقصين من آسيا وأوروبا والشرق الأوسط على اختلاف أعمارهم وتخصصاتهم وخلفياتهم، ولذلك احتاج العمل لبعض الوقت حتى يتم التفاهم بين أعضاء الفريق، خصوصاً أن اختلاف اللغة شكل عائقاً إضافياً، إلى جانب اختلاف الثقافات واتجاهات الأداء والموسيقى. وأضاف «احتجنا إلى ما يقرب من أربعة أسابيع للتواصل والتفاهم بيننا، تحدثنا كثيراً خلالها، فالفنانون في أعمالي يسهمون في خلق العمل بمداخلاتهم وحواراتهم، واعتقد أن قصص المشاركين في «الطريق العمودي» تسربت إلى العمل عبر حواراتنا لتتداخل بشكل أو بآخر مع معانيه الصوفية والروحانية، بعد ان استطعنا بالتدريب أن نحقق التناغم بيننا».
|
ونفى خان أن يكون هناك ارتباط بين علاقة الملكة في العرض بابنها، وبين علاقته بوالدته في الواقع، مشيراً إلى أن العمل الاستعراضي الراقص الذي يقدمه، يعتمد على الرمزية بدرجة كبيرة، «لا نقدم الشخصيات والقصة كما تقدم في الأعمال التقليدية الأخرى، كما أن علاقتي بوالدتي تختلف تماماً عن علاقة الملكة بابنها الذي كانت ترغب في قتله»، معترفاً أن أصوله الآسيوية لها تأثيرها في أعماله، كما أثرت في شخصيته وحياته.
وأوضح «خلال وجودي في إنجلترا، حيث استقر والدي منذ سنوات طويلة، أشعر بأنني بنغالي، وعندما أزور بنغلاديش يعاملني الجميع غريباً، دائماً لدي شعور بأنني غير مكتمل، وانني غريب، ولكنني أشعر بأن بريطانيا هي موطني، وعلى الرغم من الخلافات الثقافية التي تشكل لنا خصوصية مختلفة عن المجتمع هناك بعد أن حرص أهلي منذ هجرتهم بإحاطتنا بجدران ثقافية لحماية قيم المجتمع الذي حضروا منه، وهي الجدران التي بسببها ظللت بعيداً عن الاندماج في البيئة التي نشأت فيها، والطريف اننا عندما عدنا إلى بنغلاديش وجدنا المجتمع هناك أكثر انفتاحاً من حياتنا في الغرب، والتي أحطناها بقيم السبعينات دون تغيير، وبالتالي شعرنا بالغربة عن موطننا وان بريطانيا أكثر قربا لنا، فعدنا إليها».
مختبر
وأكد خان أنه عندما يمارس الرقص المعاصر يتحوّل المسرح إلى مختبر، يحاول من خلاله البحث عن الحقيقة واكتشافها، وأثناء الرقص يفكر في الروحانيات والرياضيات، مبيناً أنه في تعاونه مع فنانين آخرين في عروضه، مثل تجاربه مع جولييت بينوش، وراقصة الباليه سيلفي غوييم، والمغنية كيلي مينوغ، لا يهتم بجنسياتهم، ولكن بمدى التوافق بينه وبينهم.
وعن تعاونه مع الكاتب حنيف قرشي قال: «حنيف فنان وشخص متميّز، وهو يميل للأمور المثيرة للجدل، وأن يستفز من أمامه في أعماله، بينما أبحث أنا عن نقاط الضعف للاحتفاء بها وتحويلها لنقاط قوة وانطلاقة جديدة، تماماً مثلما كان ضعفي في رقص البالية نقطة انطلاقة لي لتقديم الرقص المعاصر».
واعترف خان بأنه لم يحسن الاستفادة من تجربته في التمثيل، التي قدمها في الـ17 من عمره، نظراً لحداثة سنه في ذاك الوقت «فقد كنت مشغولاً بأمور أخرى غير التمثيل، من أهمها الرقص وحبي لمايكل جاكسون».
«الطريق العمودي»
وعن «الطريق العمودي» الذي يمثل التعاون الثالث له مع هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أشار إلى أن العمل يستلهم الموروث الروائي للشرق الأوسط والتراث الروحي للثقافة الغنية في هذه المنطقة، إذ يواصل في هذا العمل طموحه لاكتشاف الروابط بين الثقافات وحقول المعرفة الخلاقة. معتبراً أن العمل الذي من المقرر تقديم عرضه الأول لهذا العمل في أكتوبر المقبل على مسرح «سادلرز ويلز» في لندن قبل الشروع في جولة عالمية عبر أميركا الشمالية، وأوروبا والهند وآسيا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، يمثل علامة فارقة أخرى في الشراكة الإبداعية بين فرقته وهيئة أبوظبي للثقافة والتراث.