سودانيات يعُلن أسرهن بصندوق سحري
«ست الشاي».. مقهى الفقراء النقّال
![](https://www.emaratalyoum.com/polopoly_fs/1.241084.1462802979!/image/image.jpg)
ست الشاي مصدر رزق عائلات فقيرة في السودان. الإمارات اليوم
يطلق السودانيون لقب «ست الشاي » على صاحبة المقهى الرشيق النقال، الذي يتكون من صندوق سحري يتم فيه بترتيب معين وضع كل أدوات مقهى كبير في دقائق، كما يطلقون اللفظة على المقهى النقال ذاته، الذي يحظى على عكس «الغرزة» المصرية المتشابهة ظاهرياً مع شكله، بسمعة طيبة وحماية اجتماعية واسعة.
خير الله لخلف الله: وين حق «ست الشاي»
ينتصر الفنان جمال حسن سعيد لست الشاي في اسكتشاته الفكاهية والتوعوية التي انتشرت أثناء الحملة الانتخابية في كل ربوع السودان، التي أخرجت تحت عنوان «عذبتنا يا خلفالله» وكان من اجمل اللقطات في هذه الحملة تلك التي يدعو فيها خير الله صديقه خلف الله الى دفع ثمن الشاي المتأخر عليه لصاحبة المقهى المتنقل بعد أن ادعى الأول الغباء، متجاهلاً أن عليه ثمن 156 كوب شاي غير البخور. وبرزت ست الشاي في ذلك الاسكتش بوصفها امرأة سودانية باحثة عن حقوقها خصوصاً بعد أن عرفت أن لها حقوقا سياسية مماثلة تماماً لحقوقها الاجتماعية وحقوقها المالية عند خلف الله. |
وتنتشر في العاصمة السودانية الخرطوم عشرات المقاهي الصغيرة المتنقلة، تديرها جميعاً سيدات في العقد الثالث أو الرابع من العمر، كثير منهن من الجنوب أو الغرب او مناطق شهدت نزاعات موسعة، وعلاوة على دولابها الذي عادة ما تخزنه آخر النهار بجانب أقرب مسجد او كنيسة او متجر كبير باطمئنان، يشتمل مقهاها الصغير هذا على طاقم الكراسي الخاص به، ويتكون في أحسن الأحوال من ستة أو سبعة كراسٍ، لا يزيد طول الواحد منها او عرضه او ارتفاعه على 40 سنتيمتراً، ما يجعل ضيوف المقهى النقال أشبه بالجالسين على الأرض.
زينب علي، صاحبة المقهى المتنقل أمام الكنيسة القبطية في شارع كورنيش النيل بالخرطوم، قالت لـ«الإمارات اليوم» إنها تبيع في اليوم من 30 الى 40 كوباً من الشاي والجبنة (القهوة) واليانسون، وإن هناك أكثر من 300 مقهى متنقلاً شبيهاً في شوارع الخرطوم، ثم استطردت «هذا الدولاب الذي تراه يضم موقداً صغيراً وبعض العلب والأكواب يعيل أسرة من خمسة أفراد بينهم عروس يتم تجهيزها وطالب على أبواب الجامعة».
وتروي زينب ان زبائن مقهاها الدائمين من السائقين أو عمال المياومة أو البناء، لكن صديقتها رجاء التي تأتي لتدعمها و«تتونس» معها تضيف أن شريحة رواد المقهى اتسعت لتشمل تجاراً وأفندية وموظفين وفئات من أعلى مستوى، حيث يعتبر «ست الشاي» هو مكان التجمع لكل من يريد أن ينجز مصلحة او يلتقي احدا خارج البيت ومكان العمل، خصوصاً لأمر عاجل.
ويرى الباحث السوداني أحمد عثمان ان ظاهرة «ست الشاي» تحمل دلالة إيجابية، سواء بتأكيدها جدارة ومسؤولية المرأة السودانية، ونزولها لميدان العمل، أو لتأكيدها الحميمية السودانية وسعيها المتواصل لخلق أشكال مختلفة للتواصل الاجتماعي.
لكن الصحافي محمد الأسباط يعتبر «اختفاء المقاهي التقليدية في السودان وحلول عشوائيات ست الشاي مكانها مؤشر انحدار وتدهور».
ويقول الأسباط إن السودان عرف في الاربعينات والخمسينات مقاهي تاريخية عظيمة، ابرزها مقهى جورج مشرقي الذي كان منتدى للفنانين والملحنين وخرجت منه أعذب الاغنيات السودانية، وكايرو وجلابيه الذي كان مقهى ثقافياً، بالاضافة الى مقاه آخرى كانت اقرب إلى المنتديات السياسية، «لكن المد الأصولي والمتشدد الذي برز في أخريات عهد جعفر النميري عام 1983 ظل يحاصر المقاهي الواحد تلو الآخر حتى اندثرت» حسب الأسباط.
ويعزو الصحافي السوداني ظاهرة اختفاء المقاهي الى «استمرار المد الأصولي ولو بدرجة أقل حالياً»، ولا يرى في «ست الشاي» أنها البديل الاجتماعي الايجابي، بل يراها ثقافة سلبية عابرة ولدت وتغذت على العشوائية وأجواء التزمت، وعلى الحروب والكوارث التي حمّلت النساء مهمة إعالة أسرها وأطفالها، إضافة الى وجود قطاعات مهمشة من الشباب في الشارع بسبب البطالة يبحث عن قضاء ساعات يومه في مكان غير مكلف.
وعن حلمها في إدارة مقهى ثابت يوماً ما، تعلق بأن الايجارات المرتفعة في الخرطوم لا تجعل لأمثالها حق الحلم بإقامة مقهى ولو على نصف متر، وتشير زينب الى مقهاها النقال بحب واعتزاز، وتقول إن ما ترجوه ان يبقى معها لسنتين او ثلاث حتى ينتقل اولادها الى بر الامان، ويحملون مسؤولية حياتهم على الأقل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news