«عائد إلى حيفا».. دمــــــوع في المسرح
«إذا أردت أن تسترد صورتك في حيفا، فعليك أولاً أن تسترد حيفا.. أشجار حيفا.. وأهل حيفا.. وطيور حيفا». بهذه العبارة الموجزة لخص المخرج الفلسطيني يحيى البشتاوي قضية شعب بأكلمه تراوده أحلام العودة إلى الديار ويعيش على أمل استرداد الحقوق، وذلك من خلال عرضين لعمله المسرحي «عائد إلى حيفا» الذي استضافته مجموعة مسارح الشارقة على خشبة معهد الفنون المسرحية بالشارقة أمس وأول من أمس، في لقاء فني مميز حضره عدد كبير من المسرحيين الإماراتيين والإعلاميين، وجمهور من العرب المقيمين في الدولة. وشهد مدرجات المسرح، أول من امس، دموع مشاهدين تأثراً بالمسرحية التي تنتمي إلى فن المونودراما الذي يجيده بطل العمل، الممثل والمخرج المسرحي الفلسطيني غنام غنام الذي جسد في المسرحية المؤثرة تسع شخصيات على خشبة المسرح، وبدا كأنه على سجيته دونما أي أداء احترافي.
رمز المقاومة
العمل الذي استمد حكايته من رواية الأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» التي صدرت عام ،1968 وقد اختارها المخرج للاشتغال عليها وتحويلها إلى نص مسرحي، ولكن بروح تناسب الأحداث الحالية والتطورات التي طرأت على القضية الفلسطينية والمنطقة العربية بصفة عامة، وتم ذلك عبر ورشة عمل ساعده فيها غنام غنام الذي قال لـ«الإمارات اليوم» عن العمل «ليس هناك ما يعبر عن حال الفلسطينيين والعرب ككل أكثر من نص لغسان كنفاني رمز المقاومة، لكننا قررنا مراعاة الأبعاد الزمنية في الأحداث وكذلك التطورات التي استجدت على الحالة الفلسطينية منذ صدور الرواية إلى وقتنا الحالي»، وفي ما يخص الدلالة الزمنية للأحداث أكد غنام أنه «وقت صدور الرواية كانت المقاومة الفلسطينية في ذروتها، وكانت قضية تحرير الأرض هي الهم الشاغل لكل عربي، بل إن القضية الفلسطينية كانت تشكل هوية المثقف العربي على وجه الخصوص في ظل المشروع القومي»، مشيراً إلى تغير الأوضاع العالمية وقد «أصبح التشرذم هو واقع الإنسان العربي».
وعلى الصعيد الدرامي، يقدم العرض المسرحي «عائد إلى حيفا» اسكتشات حوارية عبر توليفة من الحكايات لشخصيات تسعة نراها ونسمع صوتها على المسرح من خلال أداء الفنان غنام غنام، الذي نجح في تقديم نماذج درامية مختلفة للأب والأم والجدة العجوز والابن الشاب والمستوطن البولندي وزوجته وابنه المجند في جيش الإحتلال الإسرائيلي، كل ذلك بخفة ملحوظة وأداء صوتي فيه الكثير من الجهد، إضافة إلى قليل جداً من أدوات الديكور المسرحي والسينوغرافيا. ويلاحظ من ذلك أن البطل الأول هو النص الذي اهتم به المخرج والممثل، لدرجة أنه جاء مفعماً بالمشاعر الوطنية وأجواء الخطابة السياسية التي كثيراً ما تقع في فخها الأعمال الأدبية والفنية التي تدور في فلك قضايا الوطن والاحتلال.
صناع الحلم
بعيداً عن التقييم الفني لهذا العمل المسرحي، تتخذ مثل هذه العروض طابعاً خاصاً، إذ تعتبر فرصة لتجديد الأمل والتذكير بالهم المنسي ربما في خضم الحياة وتحدياتها التي لا تنتهي. اتضح ذلك بقوة من خلال أروقة مسرح معهد الشارقة للفنون التي امتلأت عن آخرها بالمشاهدين، أغلبهم فلسطينيون، جاؤوا متشحين بالكوفية الفلسطينية، التي أصبحت رمزاً عالمياً للحق المستلب، وأيضاً كانت من المفردات المميزة على المسرح، إذ استعان بها غنام غنام، الذي أخذ يردد أسماء عدة أسهمت، بحسب قوله، في صناعة الحلم الفلسطيني سواء باستمرار المقاومة أو بتعريف العالم بأبعاد القضية. يقول غنام «هناك منظومة لصناعة الحلم الأميركي والصهيوني في المنطقة، وكذلك للحلم الفلسطيني صناع أقوياء على صعيد الأدب والفن والغناء على مستوى الوطن العربي في مقدمتهم غسان كنفاني وناجي العلي وإبراهيم نصرالله ومحمود درويش والشيخ إمام، وغيرهم ممن حملوا رسالة المقاومة». يذكر أن هذا هو العرض الأول لمسرحية «عائد إلى حيفا» في دولة عربية بعد إطلاقه في عمان العام الماضي، ومن المزمع عرضه في جولة عربية خلال الأشهر المقبلة سوف تبدأ في سورية ثم لبنان وفلسطين، كما يتوقع عرضه في الولايات المتحدة وأوروبا.