فنانون يتبرأون من فوضـى «دراما رمضان»
ثمة رابط بين إعلانات طرق انتشرت في عدد من إمارات الدولة، وبشكل خاص في دبي، وبين صور راحت تغطي الكثير من سيارات الأجرة في القاهرة، وهي أن كليهما يروج لسلعة لم يعتد عميلها المستهدف، وهو جمهور المشاهدين، الترويج لها على هذا النحو، بل إن أكثر المتفائلين بمستقبل انتشار الدراما العربية لم يكن يتوقع أن تتنافس عناوين مسلسلات الشهر الفضيل على أسطح سيارات الأجرة في شوارع القاهرة، فما بين «تاكسي» يحمل صوراً دعائية لـ«العار» بثوبه الجديد بعد تمديد قصة الفيلم القديم في مسلسل، وآخر يكسوه ملصق لـ«شيخ العرب همام» المأخوذ عن سيرة شخصية حقيقية عاشت في صعيد مصر ويجسدها الفنان القدير يحيى الفخراني، عشرات السيارات الأخرى تسير ليل نهار مذكرة ركابها والمارة بوجبة الدراما العربية المتخمة دائماً في رمضان، في حين تدعو لافتات دعائية في شارع الاتحاد وبر دبي، وغيرهما، إلى الاستمتاع بجديد قناتي «دبي» و«سما دبي».
فوضى إعلانات الدراما العربية وانتشارها لتتخطى الشاشات والصحف إلى الشوارع، بدأت هذا العام مبكراً، وتضمنت إعلانات بأساليب مخالفة تبثها الفضائيات، تعد فيها بالحصري دائماً، إلى الحد الذي دفع الكثير منها لتصدير كل إعلان لها عن مسلسل بكلمة «حصري»، على الرغم من أن العمل نفسه ضمن الوجبة الدرامية اليومية لقنوات أخرى عديدة.
إنذار أخير
سيدة الشاشة الخليجية الفنانة حياة الفهد قالت إن عدد المسلسلات التي باتت تبثها القنوات الفضائية العربية والخليجية، أضحى بمثابة إنذار أخير قبل أن ينقلب «سحر تلك الدراما على الساحر، ويضيع المنتج الجيد القليل في خضم الكثير الرديء»، معتبرة «التخمة الدرامية في رمضان بمثابة النار التي تحرق إنجازات الفنانين المبدعين»، مشيرة إلى أن «الزيادة المتلاحقة في عدد المسلسلات لتلبية تزايد الطلب عليها من قبل الفضائيات لأسباب تتعلق بسوق الدعاية» من شأنه أن يصيب صناعة الدراما التلفزيونية بأضرار مستقبلية جسيمة.
وطالبت الفهد التي تطل هذا العام بمسلسل «ليلة عيد» القائمين على الدورات البرامجية في مختلف القنوات الفضائية بإعادة النظر في استراتيجية السباق الدرامي الرمضاني، مقترحة أن يتم توزيع عدد المسلسلات التي يُتخم بها المشاهد في هذا الشهر الفضيل على مدار العام، متوقعة ان تدر الاستراتيجية الجديدة في حال تطبيقها مدخولاً مادياً مهماً إلى جانب الفائدة الفنية التي ستعود على صناعة الدراما، والاستمتاع الدائم بأعمال جدية بدلاً من سياسة إعادة عرض ما تم بثه رمضانياً المتبعة حالياً.
«كعكة الإعلانات»
وعلى الرغم من أن الفنانين وشركات الإنتاج أحد أضلاع الربح المادي الأساسية، من الوفرة العددية المتنامية عاماً بعد عام، في كم المعروض الدرامي في رمضان، إلا أن الكثير من الفنانين الذين استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم حول السبب وراء هذه الفوضى ردوه إلى الفضائيات، معربين عن أملهم في تلافيها مستقبلاً وتوزيع الأعمال الجيدة على مدار العام وليس في الشهر الفضيل فقط.
الفنانة المصرية هالة صدقي التي تشارك في بطولة مسلسل «جوز ماما»، حرصت أن تستثني نفسها أولاً من التركيز على الوجود في الشهر الفضيل، مضيفة: «على الرغم من أنني مدينة لشهر رمضان بتعريفي للجمهور بشكل قوي من خلال المسلسل الشهير (رحلة المليون)، إلا أنني لم يكن لدي هوس الوجود بعمل درامي خلاله، وفي تقديري أن رمضان قد تحول إلى محرقة فنية للكثير من الأعمال الدرامية بسبب كثرة المعروض الذي يضلل المشاهد، وهي مشكلة السبب الأساسي في تفاقمها تنافس وتصارع الفضائيات على كعكة الإعلانات».
«كعكة الإعلانات» نفسها هي تبرير الفنان أحمد بدير لـ«فوضى الدراما في رمضان»، على الرغم من أنه مشارك فيها هذا العام بأكثر من عمل، مضيفاً «الفنان يقبل الدور أو يرفضه بغض النظر عن توقيت عرضه، وهناك الكثير من الأعمال التي يكون هناك إيعاز مبدئي بوقت عرضها الافتراضي ويتم تغييره في أحيان كثيرة لأسباب مختلفة، فضلاً عن جهة العرض، لأن كل هذه الأمور تدخل ضمن حقوق الجهة المنتجة، ومن ثم الفنان لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن حبس تلك الأعمال على مدار العام من أجل الزج بها في شهر وحيد هو رمضان».
حال الدراما
صيغة الدفاع عن الفنانين وعدم استفادتهم من فوضى دراما رمضان، لازمت أيضاً الفنان القدير سعيد صالح الذي زاد على ذلك بوسم الإنتاج الدرامي العربي بشكل عام بأنه «يعيش حالة فوضى شاملة سواء من حيث الكم أو النوع»، منبهاً إلى أن حال الدراما العربية بحاجة ماسة إلى وقفة شكك في إمكانية حدوثها «بسبب تغليب المصالح الشخصية والمادية على مصلحة المجتمع والدراما العربية» على حد تعبيره.
وعلى الرغم من أنها محسوبة بالأساس على الوسط الغنائي وليس التمثيلي، إلا أن الفنانة المصرية مي كساب حققت شهرة اوسع في عدد من المسلسلات التي عُرضت لأول مرة في رمضان وأشهرها «تامر وشوقية»، قبل أن تستدرجها السينما لتعود هذا العام بالمسلسل الكوميدي الذي يدخل ضمن التخمة الدرامية لرمضان الحالي «العتبة الحمرا»، وعلى الرغم من أن كساب اعترفت جزئياً بمسؤولية الممثل عن توزيع حضوره في أعمال مختلفة على مدار العام، إلا أنها عادت لتتساءل عن مدى سلطة الممثل للتمسك بعرض أعمال في المواعيد المبدئية التي يتم إنجاز المسلسل للعرض لأول مرة خلالها، مؤكدة أن «اللاعب الرئيس في هذه المعادلة هو القنوات الفضائية التي تفضل الشهر الفضيل لازدحامه بعقود وأموال الدعاية».
الفنانة البحرينية فاطمة عبدالرحيم التي تشارك هذا العام في مسلسلات متعددة منها «ما أصعب الكلام» على قناة أبوظبي، تمتلك خبرة سيئة في هذا المجال، وتؤكد لـ«الإمارات اليوم» «ليس كل القنوات الفضائية تفي تماماً بوعودها حول مواعيد عرض المسلسل، والعديد من الأعمال التي أشارك فيها يتم إرجاؤها للعرض الرمضاني على الرغم من أنها يتم تصويرها بالأساس للبث في مواقيت أخرى، وهو أمر لا يصب في صالح الفنان الذي يجد نفسه في بعض الأحيان، نتيجة هذا الأمر، حاضراً في شهر واحد في خمس أو ست فضائيات مختلفة، وغائباً طوال العام».
أما الفنان الكويتي محمد المنصور الذي شارك هذا العام أيضاً في العديد من الأعمال الرمضانية منها الجزء الثاني من «ريح الشمال» أشار بإصبع الاتهام في فوضى دراما رمضان إلى «القنوات الفضائية»، مضيفاً «في كل الأحوال فإن الكم الدرامي يبقى متاحاً أمام القائمين على صياغة الدورات البرامجية ويستطيعون ترحيل أي مسلسل لأي توقيت على مدار العام، لكن معظم القنوات الفضائية تفضل الشهر الفضيل للفوز بأكبر حصة يمكن أن تحصل عليها من الإعلانات، بسبب ترويج معظم الشركات منتجاتها خلال هذا الشهر بصفة خاصة».
الفنان الإماراتي سيف الغانم، الذي يشارك في بطولة مسلسل «الغافة» الذي يعرض على شاشة أبوظبي الفضائية اعتبر من جانبه أن «المعروض الدرامي لا يخرج عن قاعدة العرض والطلب»، مضيفاً «لا يخطط الفنان بشكل خاص للوجود أو الاختفاء عن الشاشة خلال شهر رمضان، بقدر ما يعبر الأمر عن وجود حالة من الطلب على المسلسلات من القنوات الفضائية خلال شهر رمضان بالتحديد، تسبقها بالضرورة حالة نشاط ملحوظ من شركات الإنتاج لتلبية هذه الحاجة التي لا يمكن فصلها عن سياق طلب آخر ممثل في سوق الدعاية والإعلان التي أصبح نشاطها ضرورياً لإنجاز استراتيجيات الكثير من القنوات الفضائية».