350 مليون مستخدم فعّال للـ«فيس بوك» ينفقون 8 بلايين دقيقة كل يوم. آوت ناو

«فيس بوك».. زوكربيرغ يقضم الأخضر واليابس

أضفني كصديق، هناك من كتب على الحائط الخاص بك، صور جديدة أضافها صديق أو صديقة، وغير ذلك مما تمضي عليه أيام البشر على «فيس بوك»، أو «الشبكة الاجتماعية» المسمى الخاص بهذا النمط من التواصل على الإنترنت، طبعاً ستحضر تجمعات أخرى مثل«ماي سبيس» السابق لـ «فيس بوك» و«تويتر» اللاحق به، وبالتأكيد لن يغيب عنا قدرات هذه الشبكات على الفعل، وحضورها الفاعل في نطاق مسيس سرعان ما انعطفت إليه في الدعوة إلى اعتصامات أو تظاهرات، والتنسيق بين قوى سياسية وتجميعها، فالتواصل أيضاً عرضة للتسيس، لا بل هو مسيس قبل أي شيء آخر، فتجميع البشر والاتصال بهم بيسر أولى أدوات التأسيس لتجمع، ومن ثم المضي به نحو غايات وأهداف محددة، ولعل مصطلح Database (قاعدة البيانات) هو الأمضى في الآليات الترويجية والدعائية بالنسبة للسلع والاستهلاك وما إلى هنالك، الأمر الذي يمتد ليشمل كل شيء في هذا العالم المترامي، فمتى امتلكت قاعدة بيانات واسعة فإنك قطعت نصف الطريق نحو إيصال ما تود إيصاله، وحينها فقط يحضر المحتوى الذي سيكون تحصيل حاصل، وضمن آلية حاضرة بقوة ومتزايدة باضطراد تتمثل في ثقافة الموضة، والتواتر «القطيعي» الذي تشكل الموضة أحد تجلياته، أو «السيطرة الصامتة» المسمى الذي أطلقته الاقتصادية اليسارية نورينا هيرتس في كتابها عن «الرأسمالية العالمية وموت الديمقراطية» الذي راحت ترصده منذ عام ،1979 وفي جانب آخر فإن هذه السيطرة الصامتة سرعان ما تولد أدوات التمرد عليها، لا بل إنها تخرج المكتسبات الجديدة عن مسارها وتمضي بها إلى تطلعات متناقضة تماماً معها.

350 مليون مستخدم فعّال لـ«فيس بوك»، ينفقون ثمانية بلايين دقيقة كل يوم يقول لنا كتاب The Facebook Effect (أثر الفيس بوك) الصادر أخيراً عن «فيرجين بوك» لديفيد كيركباتريك ولا شيء مدهش في احصائية كهذه ونحن نعرف أن هذا الرقم في ازدياد مضطرد في كل دقيقة ربما، والمطمح الحالي لـ«فيس بوك» أن يصل إلى مليار مستخدم، وربما في أثناء قراءة هذه الأسطر لن نعرف كم زاد عدد المستخدمين، إذ يمكننا في الوقت نفسه الحديث عن 400 مليون مستخدم في احتفال مرور ست سنوات على إطلاق هذه الشبكة كما تناقلت وسائل الإعلام.

ويمكن الحديث الآن عن تماوت البريد الإلكتروني -11٪ يستخدمون البريد الإلكتروني في أميركا وما تبقى يستخدمون الشبكات الاجتماعية في مراسلاتهم- والذي على ما يبدو في طريقه لأن يتحول إلى المخاطبات الرسمية فقط، ولعل مصيره مع السنوات المقبلة سيمسي مماثلاً لمصير البريد العادي وساعي البريد، إذ «الهوت ميل» أو«الياهو» سيتحولان ربما إلى ما يشبه الطوابع التذكارية، كما أصبحت تلك الأخيرة متغمدة في المجلدات، وهكذا فإن «الآي بوت» سيجد ما يتسع لذكريات البريد الإلكتروني الحزينة، وهو يهجر هذا العالم أمام مملكة مارك زوكربيرغ التي تقضم الأخضر واليابس.

يورد مؤلف كتاب «أثر الفيس بوك»، بعد حديث مطول عن التسيس الذي طال «فيس بوك» واجداً في كولومبيا وإيران مثالين حيين على ذلك، يورد مقولة لزوكربيرغ لها أن تستوقفنا، كون هذا الأخير يدخل من خلالها مرحلة أدلجة «فيس بوك» وهو يصف منتجه بـ «الشفافية الراديكالية»، معتبراً أن توافر معلوماتنا الشخصية بالنسبة للآخرين تحولنا إلى أناس أفضل، وهذا بالتأكيد من ضرورات التسويق التي لن تترك هذه المساحة دون إحاطتها بهالة تبشرية لا تمت إلى الحقيقة بشيء، وتنتمي إلى النوايا الحسنة التي لم تغير شيئا على مر العصور، لكنها بالتأكيد جعلت من زوكربيرغ واحداً من «مليارديرات الصدفة» كما هو عنوان الكتاب الذي ألفه عنه بن ميزريغ، الذي حوله المخرج الأميركي ديفيد فينشر إلى فيلم بعنوان The Social Network (الشبكة الاجتماعية)، الذي سيروي بصرياً قصة زوكربيرغ ورفاقه وكيف توصلوا في جامعة هارفرد إلى تأسيس شبكة خاصة بطلاب هذه الجامعة وكيفية انتشار ذلك في العالم وليمسي زوكربيرغ مليارديرا بين ليلة وضحاها، وهو يمتلك الآن 24٪ من أسهم «فيس بوك» ويعتبر أصغر ملياردير من بين الـ100 الأكثر غنى في العالم.

ولعل الحديث عن فيلم من إخراج فينشر سيعيدنا إلى فيلمه الشهير «نادي القتال» ،1999 الذي له أن يكون على طرف النقيض من قصة النجاح التي سيرويها في جديده، وبكلمات أخرى: نجاح من نوع آخر، إذ نادي القتال الذي ينتشر حول العالم وبتمرد أعتى مما يؤسس له تيلر ديردن الشخصية الفصامية لراوي الفيلم، له أن يكون كذلك مع «فيس بوك»، والذي يحمل أيضاً إمكانية تمردية ومعولمة أيضاً، فالأمر خاضع هنا للغايات التي يستخدم بها، وهل الأمر خاضع للشات والصور وتبادل الشؤون اليومية، أم أن الأمر محمل بالأفكار بتلاقحها وتصارعها، الأمر المتروك للزمن الذي تبدت معالم كثيرة منه، فإن كانت الشفافية الراديكالية ما يطمح إليه زوكربيرغ، فيمكن الحديث أيضاً عن الحقائق العارية ومدى كونها متاحة ومتصارعة في هذا الفضاء التجميعي الذي قد يترتب عنه تايلر ديردين بحق.

بالعودة إلى فيلم «الشبكة الاجتماعية» فإن الفيلم على ما يبدو، مكتفٍ بسرد قصة حياة زوكربيرغ وهو مندرج تحت جملة ناظمة هي «لن تصل إلى 500 مليون صديق دون أن تكسب عدداً من الأعداء»، والتي ستضعنا مباشرة أمام ما سيواجهه مؤسس «فيس بوك» من صعاب وما إلى هنالك، التي لن تكون بشيء ما دمنا نعرف في النهاية أنه أمسى من أغنياء العالم ولم يتجاوز الـ23 بعد.

الأكثر مشاركة