أيــام ثقافـية تتضـمّن معــرضاً وعــروضاً راقصة وموسيقية

روسـيا البـيـضاء في أبوظبي

12 فناناً يقدمون تجارب تعطي صورة قريبة عن الحراك التشكيلي في روسيا البيضاء. تصوير: إريك أرازاس

السمات الخاصة ذات الطابع المعاصر لم تطغَ على انتماء الأعمال الفنية لمعرض الفن المعاصر لجمهورية روسيا البيضاء لتراث خاص وعريق. إبداع جاء من أقصى شمال العالم ليحط رحاله بين جنبات قصر الإمارات في أبوظبي، ضمن فعاليات الأيام الثقافية لجمهورية روسيا البيضاء التي تستضيفها أبوظبي.

وإلى جانب المعرض الفني تضمنت الأيام الثقافية لروسيا البيضاء في أبوظبي فعاليات فنية أخرى أبرزها عرض باليه «روميو وجولييت» لفرقة البولشوي للأوبرا والباليه، وعرض راقص لفرقة الرقص الشعبي «كوروشكي».

ويكتسب المعرض أهمية خاصة باعتباره فرصة لا تتكرر كثيراً للتعرف عن قرب إلى اتجاهات الفن المعاصر في الدولة، أخرجت للعالم الفنان العالمي مارك شاجال، وظلت حاضرة بطبيعتها وشوارعها في كل لوحاته بلا استثناء.

عبر أعمال 12 فناناً من أصحاب الحضور اللافت على الساحة الفنية في بلدهم وخارجها، تم انتقاؤهم بعناية - بحسب القائمين على تنظيم الفعاليات - عمد المعرض الذي يستمر حتى 29 سبتمبر الجاري إلى رسم صورة واضحة، قدر الإمكان، للمشهد الفني حاليا في بيلاروسيا، وإظهار التنوع في الأنماط والاتجاهات الفنية المعاصرة. ومن عدد الفنانين المشاركين فيه استمد المعرض عنوانه «+12»، وهؤلاء الفنانون هم: ايغور باتال اونوك، واليكساندر غريشكيفيتش، واليكساندر زابافتشيك، وفيودور ياسترب، وفلاديمير كوزخ، إلى جانب سيرجي دافيدوفيتش، وفاسيلي كوستيوتشينكو، وفلاديمير سافيتش، وفيكتور شيلكو، واوليغ سكوفورودكو، وديمتري سورينوفيتش.

حداثة وجذور

تكشف اللوحات المعروضة توقاً واضحاً إلى الحداثة والانفتاح على العالم وتجاربه وثقافاته، والتداخل معها في حوار فني متواصل، وتعكس بوضوح تنوعاً في الأساليب والاتجاهات الفنية، وهو التنوع الذي لم يكن متاحاً قبل تسعينات القرن الماضي، فقد اختصرت هذه الاتجاهات في حركة واحدة عرفت باسم «الواقعية الاشتراكية»، فرضت سيطرتها على المشهد الفني في الاتحاد السوفييتي آنذاك، هذا التحديد الصارم الذي يتعارض مع طبيعة الفن والفنان الذي يستلهم من الحرية والانطلاق تفرده، كان حافزاً لفناني بيلاروسيا عقب انهيار الإنهيار السوفييتي وإعلان بيلاروسيا جمهورية مستقلة، للانفتاح بلهفة على المدارس والاتجاهات الفنية المعاصرة في أوروبا، مستندين إلى قاعدة أكاديمية جادة، ما أنتج بعد فترة قصيرة مشهدا فنيا شديد التنوع في بيلاروسيا ليس في الفن المعاصر فحسب، لكن لفنون ما بعد الحداثة أيضاً، التي بدت على الساحة الفنية هناك، ولكنها غابت عن المعرض الذي افتتحه سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، بحضور فيكتور لوكشنكو نجل رئيس جمهورية روسيا البيضاء، فقد اقتصر المعرض على نماذج من الفن المعاصر فقط. وعلى الرغم من هذا التوق إلى التطور واللحاق بالصورة الفنية العالمية، لا يمكن أن تخطئ العين الخيوط المتينة التي ربطت بين هذه الأعمال من جهة وبين جذورها الفنية لتاريخ يمتد إلى القرنين الـ15والـ،16 وهي فترة ازدهار رسم الأيقونات، إذ أنتج فنانو بيلاروسيا مدرستهم الخاصة في رسم الأيقونات التي تميزت بتعبيرها عن المشاعر الإنسانية كالبهجة والكآبة، والتعبير أيضا عن المواقف الحياتية المختلفة والمناظر الطبيعية والحياة اليومية لمختلف الطبقات الاجتماعية. هذه الأيقونات سريعاً ما تستدعيها ذاكرة زائر المعرض وهو يقف أمام لوحات الفنان غنادي دروزدوف، التي ركزت على ملامح الوجوه، وتعبيراتها التي عكست الانكسار والحزن حيناً، والترقب والقلق حيناً آخر. وكذلك كانت الوجوه، وبالتحديد العيون، مركز الثقل في لوحات الفنان ديمتري سرينوفيتش مثل «رسائل فان جوخ»، و«باريانوف»، فيجد المتلقي نفسه منجذباً إلى العينين وما تحملانه من تعبيرات عميقة تضفي عليها الحياة وتختصر الكثير.

طبيعة متفردة

وشكلت المناظر الطبيعية موضوعا بارزا في أعمال الفنان اليكسندر غريشكيفيتش التي ضمها المعرض، والتي امتدت مساحات خضراء مورقة في بعض اللوحات، وتحولت إلى اللون الرمادي في البعض الآخر، وفقا لتبدلات الطقس وتحولات الفصول، لتكتسي في النهاية ببياض الثلج الناصع الذي يكلله الصمت والسكون المحيط بالمشهد في اللوحة بالهيبة والجلال. كما كانت الطبيعة محور أعمال الفنان ايغور باتاليونوك، الذي اختلف عن اليكسندر في تطعيم المشهد الطبيعي بظهور خجول لكائنات حية، مثل البشر أو الخيول.

في المقابل، حفلت لوحات الفنان فيودور باستروب بحركة مكثفة، يحتار المتلقي في تحديد العنصر الأبرز فيها، هل هي كثرة التفاصيل التي تخبئ بداخلها وجوهاً وحيوانات وطيوراً وأشجاراً في ما يشبه علماً سحرياً كلما أطلت الوقوف أمامه كشف لك عن المزيد من أسراره ومعالمه. أم أن الألوان هي صاحبة الزخم في العمل، إذ تقوم فيه بدور المايسترو الذي يفرض على العمل بتفاصيله وزحامه تناغما خاصا، وفق تقنية متميزة يلعب فيها اللون الفيروزي دورا رئيسا.

شاعرية الفن

اتجاه فني آخر شكلته أعمال الفنان فلاديمير كوزخ، التي سادتها أجواء وعوالم اقرب إلى الشاعرية، مثل لوحتي «الممر»، و«البئر الأبيض»، فبدا البشر في اللوحات أقرب إلى الملائكة بملابسهم البيضاء الناصعة وملامحهم الوادعة السمحة، تحيط بهم أشجار ونباتات وارفة الظلال. في حين كانت الألوان هي السمة المميزة لأعمال الفنان فاسيلي كوستوتشينكو، التي اكتسبت هويتها من اسلوب الفنان في المزج بين الألوان والتدرج بين درجاتها المختلفة بحساسية فائقة كما في لوحتي «الشفق»، و«الأمسية الحمراء».

وتضمن المعرض ركناً خاصاً للصور الفوتوغرافية للمصور سسيارهي بليتكفيتش، الذي قدم العديد من الكتب ذات طابع سياحي تعريفي ببلده بيلاروسيا، مثل «بيلاروسيا كما أراها»، و«العالم بدأ من بولوتسك»، و«بيلاروسيا المفاجآت». وشكلت الصور المعروضة بانوراما لأبرز المشاهد الطبيعية التي تتميز بها روسيا البيضاء، تم التقاطها من الجو، ما جعلها تكتسب أبعاداً أكثر جمالاً وجاذبية.

تويتر