تعود جذور الباليه في بيلاروسيا إلى النصف الثاني من القرن الـ.18 من المصدر

«روميو وجولييت»..الحب المســتحيل

حتى مع القصص القديمة التي نحفظها جيداً منذ سنوات الطفولة، ولا تحمل بالنسبة إلى الكثير منا أي جديد أو تشويق، يظل للباليه سحره الذي تصعب مقاومته، ومكانته الخاصة في قلوب عشاق الفن الرفيع، هذا السحر الذي انعكس بوضوح بين جنبات مسرح قصر الإمارات مساء أول من أمس، والذي امتلأ بالكامل بجمهور من مختلف الجنسيات، حضروا جميعاً لمشاهدة فرقة الاكاديمية الوطنية لروسيا البيضاء «بولشوي للاوبرا والباليه»، وهي تؤدي عرض «روميو وجولييت» الشهير، وذلك ضمن فعاليات الاسبوع الثقافي لجمهورية روسيا البيضاء، الذي تستضيفه أبوظبي حتى 29 سبتمبر الجاري، وينظم بالتعاون مع هيئة أبوظبي للثقافة والتراث.

تفاعل جماهيري

لم تختلف قصة أشهر عاشقين في التاريخ (روميو وجولييت) التي قدمتها الـ«بولشوي» في الحفل في شيء عن تلك القصة التي يعرف الجميع احداثها، وعلى الرغم من ذلك بدت لهفة الحضور واضحة في انتظار بدء العرض، وكأنهم ينتظرون حدثاً جديداً تماماً، فروعة الباليه وجاذبيته تنبع من تآلف عناصره الفنية المختلفة كالحركة والاداء والموسيقى والازياء مع القصة، لتشكل لوحة كلما تكاملت وتآلفت عناصرها، تفردت في ابداعها، ولعل هذا التفرد هو الذي صنع شهرة الـ«بولشوي» ومكانتها الرائدة في عالم الفنون الرفيعة.

وما إن بدأ العرض حتى ساد المكان صمت عميق، لكنه لم يخف تفاعل الجمهور مع العمل، لترتسم ملامح البهجة على الوجوه خلال مشهد احتفالات شباب وشابات مدينة فيرونا الايطالية في بداية العرض، هذه البهجة التي انتقلت إلى الجمهور عبر الموسيقى والرقصات الجماعية التي حولت خشبة المسرح إلى لوحة بصرية ناطقة لعبت الألوان والازياء فيها دوراً لا يمكن تجاهله، ولم يقل أهمية عن خفة أداء الراقصين وما يتمتعون به من مهارة واحترافية تتناسب مع اسم الفرقة العريق الذي يعود إلى عام .1933 بينما حمل مشهد اللقاء الاول بين روميو وجولييت خلال الحفل الذي اقيم في بيت عائلتها، الحضور إلى اجواء من الرومانسية والحلم، رسمتها خطوات جولييت الرقيقة ورقصاتها الناعمة الرشيقة التي بدت خلالها مثل حمامة بيضاء تتراقص في فضاء المسرح قبل ان ينضم إليها روميو ليبدد معها اجواء التوتر والاحتقان التي سيطرت على سكان فيونا نتيجة احتدام الصراع بين عائلتيهما، قبل ان يشتعل الصراع بعد ان يقتل قريب جولييت الشرير تيبالد ميركوتشيو صديق روميو فيقوم الاخير بقتله انتقاماً لمقتل صديقه، لتتزايد بذلك الهوة التي تفصل بين العائلتين، ويصبح من المستحيل تقبل زواج العاشقين.

وتصل الاحداث إلى ذروتها في الفصل الثالث من العرض، عندما يضطر روميو إلى مغادرة المدينة بينما يصر اهل جولييت على تزويجها لباريس. وهرباً من هذا الموقف تتناول جولييت منوما يجعلها تبدو كالميتة، ويعود روميو إلى حبيبته ليجدها على هذه الحال، فيعتقد انها ميتة فيقرر اللحاق بها، ويتناول جرعة من السم، ويموت إلى جانبها. وما إن تصحو جولييت وتكتشف ما حدث، حتى تطعن نفسها بسكين وتموت إلى جانبه، تاركة معالم الأسى والحزن على وجوه الجمهور الذي تفاعل بكامل حواسه مع العرض المأخوذ عن مسرحية شكسبير، وقام بكتابة نصه الاوبرالي وتصميم رقصاته فالنتين اليزاريف، وجاء تصميم المشاهد والرقصات لارنست غيدبريخت.

وتعود جذور الباليه في بيلاروسيا إلى النصف الثاني من القرن الـ،18 إذ كان لدى كبار لوردات الاقطاع البيلاروسيين -البولنديين في قصورهم مسارح لعرض الدراما وفرق غنائية للترتيل الديني وجوقات ومدارس لتعليم الموسيقى والباليه. ثم عادت هذه التقاليد لتنبعث من جديد مطلع القرن الـ،20 إذ افتتحت مينسك داراً للاوبرا تابعة للدولة.

خوروشكي

سبق عرض «روميو وجولييت»، عرض راقص لفرقة بيلاروسيا للرقص «خوروشكي» بقيادة مديرتها الفنية الحائزة جائزة الدولة فالنتينا غايفايا، إذ قدمت الفرقة التي تأسست عام ،1974 وباتت رمزاً لبلدها، على مدى ما يقرب من الساعة، مجموعة كبيرة من العروض المسرحية المصممة خصوصاً لها، تندرج تحت ما يعرف بالباليهات الفلكلورية، فهي تجمع بين البالية والرقصات الفلكلورية، كما يصاحبها عزف موسيقي تتآلف فيه الآلات الموسيقية الحديثة مثل الكلارنت، والناي والكمان والايقام والباص غيتار، إلى جانب الالآت الموسيقية التراثية مثل الشبابة والغودوك، والباغان والكميني، وهي آلات موسيقية مصنوعة من قش القمح والقصب ونبات الليدام. ومن أبرز العروض التي اشتهرت الفرقة بتقديمها: «زفاف تسيارشكا»، و«أسطورة توروف»، و«مساء الخير أعزائي الضيوف»، و«البيلاروس».

وطغت على الرقصات مشاعر الفخر والقوة والشجاعة، خصوصاً تلك التي اقتصر أداؤها على الراقصين الرجال. بينما تميزت الرقصات المشتركة بالحيوية والانطلاق والمرح، خصوصاً مع الازياء التراثية التي ارتداها الراقصون وتميزت بألوانها الزاهية المتناغمة.

الأكثر مشاركة