قرية حسن فتحي.. تراث مصري مهدّد بالزوال
فيما تنطلق في مدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر غداً وبعد غدٍ، فعاليات المؤتمر الدولي حول «إحياء قرية المعماري المصري العالمي حسن فتحي»، بمشاركة أكثر من 40 عالماً وخبيراً دولياً في مجال العمارة في العالم، بدعوة من منظمة التربية والثقافة والعلم (يونسكو) وبرئاسة فرانسيسكو بندارين رئيس مركز التراث العالمي ونائب رئيس منظمة اليونسكو، ارتفعت أصوات تطالب بالإسراع إلى إنقاذ ما تبقى من معالم قرية حسن فتحي المقامة غرب مدينة الأقصر، قبل فوات الأوان.
ويقول الباحث المصري والناشط في اللجنة الشعبية لدعم ومناصرة القضايا الوطنية ميشيل إبراهيم رزق «ما تبقى من معالم القرية بات في خطر ولا يحتمل انتظار أبحاث وتوصيات، بل يحتاج إلى تحرك وطني عاجل للحفاظ على معالم يفد الآلاف من السياح ودارسي فنون العمارة في العالم لزيارتها». وأضاف «بات منزل فتحي في قرية القرنة الجديدة غرب الأقصر، الذي يعد تراثاً معمارياً لمصر وللإنسانية جمعاء، مهدداً بالزوال، بعد أن تآكلت جدرانه وتشققت أسقفه، ومالت حوائطه ونال منه الإهمال».
وكشف رئيس لجنة الشؤون البيئية في المجلس الشعبي المحلى لمحافظة الأقصر كريم نصر الدين، أن «منزل فتحي وقصر ثقافته باتا مهددين بالانهيار، فيما تحول سوق القرية إلى ورشة لصيانة السيارات المملوكة للمحافظة، وتحول مسجد القرية إلى مقر إداري لإدارة الأوقاف في مدينة القرنة». وقال نصر الدين إن المسجد بات مهدداً بالانهيار بعد أن تآكلت جدرانه ونال منه الإهمال أيضاً.
ترجع قصة إقامة قرية حسن فتحي غرب مدينة الأقصر إلى أنه كان يوجد ما يزيد على 7000 مواطن كانوا يعيشون في منطقة القرنة الأثرية الغنية بمئات المقابر الفرعونية، وقد احتشدوا في خمس مجموعات من البيوت المبنية فوق هذه المقابر وحولها، وكان من الطبيعي أن تحدث عشرات من السرقات لمحتويات تلك المقابر الفرعونية لعل أكثرها تهوراً سرقة نقش صخري من أحد القبور الفرعونية، بعدها قفزت فكرة ترحيل سكان القرية لمكان آخر إلى أذهان عدد من المسؤولين الذين قاموا بالاتصال بحسن فتحي لبدء مشروع القرنة الجديدة. وقد تأثر المسؤولون بإمكانات مادة البناء التي استخدمها حسن فتحي ورخص تكاليف إقامتها. المشهد تغير الآن جذرياً، فقد قام بعض الاهالى بالقرية بهدم منازلهم وبنوا عمارات خرسانية.
ليست هذه المشكلة الوحيدة التي أسهمت في بدء تدمير تراث حسن فتحي، فالمحليات أيضاً أعطت بعض الأهالي حق البناء فوق مساحات الفراغ التي تمثل جزءاً من الشكل العام للقرية، الأمر الذي جعل بعض المناطق تتحول إلى عشوائيات، وصارت البيوت الطينية المتبقية متوازية في أحضان العمارات القبيحة التي ارتفعت دون مراعاة لجماليات أو نسق عام.
يذكر أن فتحي هو أحد أبرز وجوه الهندسة المعمارية العالمية الحديثة وصاحب رؤية خاصة اقتربت من النظرية المتكاملة في التفاعل مع البيئة المحيطة، وقد جمعت تصميماته بين الجمال الفني واقتصاد التكاليف، وكان اعتماده على الخامات المحلية في البناء، فكان الطمي (الطين) هو المادة الخام الأساسية لقدرته على احتواء قسوة التغيرات المناخية صيفاً وشتاء.
وعلى الرغم من نشأة حسن فتحي في أسرة ثرية، فإنه كرس كل عبقريته وفنه وحياته في العمل على أن يتمكن أفقر الفقراء في الريف من الحصول على مسكن صحي رخيص، مع الحرص على أن يكون هذا المسكن متيناً وواسعاً وجميلاً. لم تكن هذه الأفكار مجرد أحلام رومانسية نظرية بعيدة عن التطبيق الواقعي، فقد تمكن فتحي من إثبات صحة نظرياته عملياً في نماذج عدة أقامها وأثارت الإعجاب داخل مصر وخارجها.