الإضاءة والصوت اختنقا في وحشة «السرداب»
الخراز أنقذ عرض الافتتاح في «مهرجان مسرح الشباب»
بأمنيات مشاهدة عرض مسرحي متميّز في الليلة الافتتاحية لمهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته الرابعة، قصد مساء أول من أمس، مئات الحضور قاعة مسرح ندوة الثقافة والعلوم التي تستضيف الحدث المهرجاني حتى الـ10 من الشهر الجاري، لاسيما أن العمل المنوّه عنه من إنتاج مسرح دبي الشعبي، الذي أولى عناية خاصة لدعم المواهب المسرحية الشابة، ونصه يعود للفنان القدير عبدالله صالح، فيما يحمل مخرجه محمد عطية تجربة وحيدة في هذا المجال، ما يعني أن رؤيته الإخراجية تحتمل مفاجأة الجمهور.
حلول جاهزة
معطيات ما خلف الخشبة، والانطباعات عن عروض الليلة الافتتاحية تبددت إلى حد كبير في «السرداب»، خصوصاً في ما يتعلق بالإضاءة وحركة المسرحيين على الخشبة، والفضاء المسرحي الذي بدا بعيداً عن توظيفه في إثراء الفعل المسرحي، ولم يكن مبرراً حتى في سياق إقناع الجمهور بأنهم أمام شخصيات ثلاثية تواجه مأزقاً في سرداب معتم، عدم التعرف إلى ملامح الممثلين، والاستمتاع بتعايشهم مع الشخصيات، باستثناء المشهد الأخير.
وما بين أدوات عكس وجودها على الخشبة تنميطاً وحلولاً إخراجية جاهزة لشغل الخشبة، وممثلين يمتلكون طاقة أدائية جيدة لم يتمكنوا من استثمارها على الخشبة، مثل إلهام محمد، التي جسدت دور «مزون»، وعبدالله الحريبي في دور هاني، برز الممثل الشاب جاسم الخراز منقذاً ومرمماً لكثير من الثغرات التي بدا عليها «السرداب»، من خلال إمكانات تمثيلية هائلة، وقدرة مميّزة على إقناع المشاهد بأحداث لم تكن مقنعة بالأساس في سياقها المسرحي.
مفاجأة «المسرحيين» كشف رئيس جمعية المسرحيين، إسماعيل عبدالله، عن مفاجأة أضحت حديث الساعة لدى المنتمين لفن الخشبة بالدولة، وهو تدشين صندوق خاص بدعم تواجد ومشاركة الفنانين الإماراتيين في الفعاليات المسرحية الخارجية، مصرحاً لـ«الإمارات اليوم» بأن «هناك ميزانية مستقلة للصندوق الجديد، من أجل الانفتاح على المسارح الأخرى، خصوصاً الأوروبية»، على الرغم من دعوته للمؤسسات الرسمية والخاصة دعم المشروع مادياً. عبدالله الذي كان مع الفنان سعيد سالم ومدير الفنون الأدائية بهيئة دبي للثقافة والفنون ياسر القرقاوي، آخر المغادرين لندوة الثقافة والعلوم، انشغل مع أبطال العرض الافتتاحي في أحاديث فنية أكد عبرها أن «ثقافة مشاهدة نتاجات المسارح الأخرى»، هي هدية «الجمعية» للمبدعين الشباب. |
الخراز لم يكن منقذاً للعمل على الخشبـة فقط، بل كان كذلك أيضاً عندما نجح في استيعاب الدور خلال أربعة أيام فقط، قبل بدء العرض، بعد استبعاد أو اعتذار الفنان الشاب محمد السعدي، الذي خاض التمارين المسرحية مكتملة، وهو أمر تكرر مع إلهام محمد، التي رُشحت للدور أيضاً بعدما اعتذرت إحدى زميلاتها عن أدائه، ما يعني أن الحُكم على محمد عطية مخرجاً من خلال «السرداب» سيكون أمراً غير منصف، في الوقت الذي من المشروع فيه أن تُثار تساؤلات عدة حول دور مجلس إدارة «دبـي الأهلي» في تذليل صعاب إنجاز مشروع مسرحي يُشارك باسم مسرح سبق تلقيبه بـ«حاصـد جوائـز مهرجان دبي للشباب» في دورته الثانية التي حقق فيها ست جوائز كاملة من ضمنها «أفضل عمل متكامل».
وعلى الرغم من ذلك، مثلت جرأة محمد عطية واستعداده لاتخاذ قرارات يتحمل مسؤوليتها بوضـوح أحـد الجوانب المضيئـة في شخصيته مخرجاً شاباً، فالعمل الذي تتبع رغبة شابين وفتاة للوصول إلى السرداب من أجل الحصول على صندوق يحوي عملات ثمينة، حسب افتراضهم، وتحوّل في أحد مفاصله لصراع بين الشابين على قلب الفتاة، قبل أن يفقـدوا جميعهم فرصة الخروج من السرداب بسبب ضياع المفتاح، ومصرع أحد الشابين، قد تحوّل وفق رغبة المخرج إلى مجرد «حلم»، محيلاً في المشهد الختامي بعدما ظن الجميع أن الإشكالية تتعلق بمحاولة الخروج من السرداب، إلى المشهـد الأولي، الذي يقـوم من خلاله «مزون» و«هاني» إلى دعوة «شريف» إلى صحبتهما من أجل دخول السرداب.
رسالة رمزية
على الرغم من رضاها عن أدائها على خشبة المسرح، فإن الممثلة الشابـة إلهام محمـد قالت لـ«الإمارات اليوم»: «امتلك ما هو أفضل من ذلك، ربما رهبة البداية كانت مؤثرة في العرض»، مشيرة إلى أنها لا تطمح جائزة «الأفضل» في تنافسها مع الممثلات الأخريات على لقب «أفضل ممثلة دور أول»، بقدر شعورها بالفخر لإنجاز العمل على تلك السوية الفنية، على الرغم من العثرات التي صادفته. في حين حرص مخرج العمل محمد عطية على الإشارة إلى أن ليلة العرض الافتتاحي توافقت مع عيد ميلاد مؤلف «السرداب» عبدالله صالح، فإن الأخير حرص على التأكيد أن «قضية الحب الذي يتعرض لها العمل تبقى بامتياز قضية شبابية جديرة بالمناقشة على الخشبة»، فيما أكد جاسم الخراز، الذي يمتلك 15 تجربة مسرحية، أنه استفاد من توجيهات عطية على الخشبة، على الرغم من أن «السرداب» يمثل العمل الثاني فقط لمخرجه. «السرداب» حمل تبايناً بين نص الكاتب ورؤية المخرج في مشهده الختامي. تصوير: مصطفى قاسمي
طموح مفقود
النص الأصلي لدى عبدالله صالح كان مختلفاً تماماً، ويشير إلى محنة «مزون»، التي تظل تصرخ حتى النهاية من أجل الخلاص، وشريف الذي فشـل في تجـاوز باب السرداب من أجل الخروج، ما يعني بالأخير رسالة رمزية مختلفة، تتعلق بخصوصية رؤية المخرج الشاب، الذي اختلف مع كاتب مسرحي بهامـة صالح، بقدر ما تعني في الوقت ذاتـه مرونـة الأخير الذي قال له حينما سأله عن رأيه في التعديل: «أنت المخرج.. والقرار لك»، حسب تصريحه لـ«الإمارات اليوم»، مستجيباً لتقاليد العمل المسرحي مـن جانب، وحقيقة أن «المهرجان مساحة مفتوحة لإبداعات الشباب بكل ما فيها من محاولات يزاملها التوفيق في مواقف ويجانبها في أخرى، وصولاً إلى تشكيل خبرات وطاقات فنية جديدة».
ونكوصاً إلى المشهد المسرحي، فقد جاء الكثير من مفردات الديكور غير مبررة، تماماً كما كانت ردود أفعال شخصية «هاني»المتسمة بالاضطراب غير مقنعة استجابة لمؤثرات صوتية أرادها مصمم المؤثرات مخيفة دون أن يقنع الحضور بذلك، أما ذروة الأزمة المتمثلة في افتقاد مفتاح الخروج من باب السرداب أيضاً غير مبررة، لاسيما أن المفتاح في حال سقوطه من جيب شريف سيظل في حيز مكاني محدود يسهل معاودة استرجاعه، وليس افتقاده تماماً، في الوقت الذي وقع فيه الممثلون في أخطاء ساذجة بسبب تناثر المفردات التي لا وظيفة محددة لها في المشهد المسرحي، ما جعل «مزون» تُصيب «شريف» بقطعة من الورق المقوى لم تقنعنا أنها قطعة معدنية، لأنها هي نفسها التي أمسكها شريف في بداية العرض وألقاها جانباً كاشفاً عن حقيقتها الورقية، فيما كان المبرر المسرحي لتخلص المخرج من هاني على المسرح ساذجاً إثر دفعة وحيدة من غريمه «شريف»، فضلاً عن أن ملابس الشخصيات الثلاثة لم تدعم أدوارهم التمثيلية، لتضاف إلى جملة الأدوات المسرحية المهمة التي لم يتم استثمارها على الخشبة.
العرض المسرحي الذي بدأ بمجرد قدوم وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع عبدالرحمن العويس، وحضره نائب رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون محمد المر، وعضو المجلس الوطني الاتحادي رئيس ندوة الثقافة والعلوم سلطان صقر السويدي، سبقه كلمة افتتاحية للرئيس التنفيذي لـ«دبي للثقافة»، الجهة المنظمة للمهرجان سعيد النابودة، والمدير التنفيذي لشؤون الثقافة والفنون بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بلال البدور، ورئيس جمعية المسرحيين في الدولة إسماعيل عبدالله، قبل أن يتم التعريف سيراً على نهج التقاليد المهرجانية بأعضاء لجنة التحكيم التي يترأسها الفنان والإعلامي جمال مطر، ويندرج في عضويتها كل من الفنانين إبراهيم سالم، وخليفة التخلوفة، والناقد المسرحي يحيى الحاج، والكاتبة باسمة يونس.
من جهة أخرى، جاءت الندوة التطبيقية لـ«السرداب» هي الأكثر اختزالاً على اختلاف ندوات المهرجان في دوراته السابقة، وهو ما يمكن تفسيره بعدم رغبة المتداخلين في إفساد البهجة الاحتفالية بافتتاحية المهرجان، فضلاً عن انضمام أحد أهم النقاد الذين اعتادوا على إثرائها وهو يحيى الحاج، إلى عضوية لجنة التحكيم، رغم إشارة الفنان حبيب غلوم في مستهلها إلى حقيقة أن «عمل (السرداب) سيظل مقدراً إبداعاً شبابياً مرحباً به مهما ارتفع سقف انتقاداته»، ناصحاً المخرج وأسرته بالكامل بتقبل جميع الآراء، لأنها حتماً ستصب في مصلح تجاربهم المستقبلية» .
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news