عماد غالغاي يصـنع أكبر خنـجر فـي العـالـم
ربما فقدت السيوف والخناجر وظيفتها سلاحاً حربياً قاطعاً، لكنها لم تفقد سحرها تحفاً فنية تحمل كثيراً من جماليات الصنع والتشكيل، هذا ما برهن عليه عماد غالغاي بإصراره على إنجاز نسخة مكبرة من الخنجر الشيشاني يبلغ طولها قرابة الأمتار الثلاثة، وبذلك يصبح أكبر خنجر في العالم.
ويقول عماد «ورثت هذا الخنجر عن أبي وهو نموذج للخنجر الشيشاني التقليدي، ولأني أعتز به كثيرا، قررت أن أصنع نسخة منه ولكن بأكبر طول وحجم ممكنين»، مشيرا إلى أنه لو تمكن من الحصول على كمية أكبر من مواد الإستانلس والخشب والجلد الطبيعي، وكذلك لو كان يعيش في مكان أكثر اتساعا، لصنع خنجراً يتعدى الأمتار الثلاثة بكثير.
ويعود اهتمام عماد أحمد غالغاي، السوري من أصل شيشاني، بالتراث إلى المناخ الذي نشأ فيه، وكذلك تقاليد عائلته التي هاجرت من الشيشان، نتيجة ظروف حربية لتستقر في هضبة الجولان السورية حيث مسقط رأسه وطفولته، ويقول عن ذلك «لم أعرف الشيشان إلا عندما كبرت وقمت بزيارتها، وقد أعجبت بتراثها الذي كان أبي يتمسك به دائما، وأصبحت أربط بينه وبين التراث العربي الذي عرفته في سورية»، حيث تعيش الأقلية الشيشانية في مجتمعات صغيرة منغلقة على نفسها، وتحرص دائما على ممارسة التقاليد والطقوس الشيشانية، في ما يتعلق بالمأكل وأسلوب الحياة وأيضا اللغة، وبحسب عماد يعتز الشيشانيون خصوصا الكبار بالقطع التراثية كالسيوف والخناجر والأقواس، فضلا عن أدوات الصيد التي غالبا ما يستعين بها سكان المناطق الجبلية.
لغة خاصة
الخنجر مصنوع من الاستانلس والخشب والجلد الطبيعي. |
بهذه العبارة وصف عماد غالغاي علاقته بالمواد التي يصنع منها وبها قطعه الفنية، ويقول «لا يهمني كثيرا اقتناء التحف بقدر ما يشغلني صنعها بيدي، لأني أشعر بلغة خاصة أتحدث بها مع الخشب والحجر والمعدن والجلود، وكل العناصر التي أشتغل عليها»، حيث تتنوع منتجات غالغاي الفنية بين الرسم والنحت والتشكيل بالمعادن، خصوصا التحف التقليدية والتراثية كالسيوف بمختلف أشكالها التي تنتمي إلى أمم وحضارات مختلفة.
ويتضح شغفه بالأجواء المتحفية على حوائط منزله وفي كل ركن من أركانه، إذ يعلق سيفاً هنا ويتدلى قوس هناك، فيما يستقر أكبر خنجر في العالم في المنتصف يلمع فيه بريق الفصوص المتناثرة على السطح، مضيفا إلى بريق الإستانلس الرائق وغموض الجلد الداكن، إذ يتوزع الجميع في تشكيل دقيق ومحكم، يزيد بقليل على ما هو عليه في الخنجر الأصلي الذي لا يتجاوز طوله الـ50 سنتيمترا، ولا يتوقف الأمر عند ذلك إذ صنع عماد غالغاي توصيلة كهربائية خفية للخنجر، حيث يتم سحبه من غطائه أو جرابه أوتوماتيكياً عن طريق الضغط على زر، وكذلك بضغطة أخرى يدخل تدريجيا إلى الغطاء، وذلك مراعاة لكبر حجمه، وصعوبة التعامل معه يدويا.
ويمارس غالغاي هوايته بطريقة حرة، وفي معظم أوقاته تقريبا، إذ كان يعمل بمجال المقاولات مصمم ديكور، قبل أن يتعثر عمله في الفترة الأخيرة، بسبب الأزمة المالية، فأصبح يهتم بهوايته أكثر مما مضى، ويقول عماد «أحيانا أعمل على صنع التحف لأيام متواصلة ودونما انقطاع، حتى أن زوجتي تشتكي ذلك، وأحيانا أخرى لا يكون عندي قابلية للعمل إلا أنني في الأغلب لا أحب قضاء وقتي بعيدا عن هوايتي المحببة». مشيرا إلى أنه استغرق نحو ثلاثة أشهر في صناعة الخنجر الأكبر في العالم، كما يمارس أيضا فن الرسم، الذي بدأ معه منذ الطفولة، وفن الخط العربي الذي ارتبط به لفترة طويلة، ثم هجره إلى النحت وتصميم المجسمات.
أحلام مؤجّلة
ويخطط عماد غالغاي، الذي شارك في كثير من المعارض في سورية ومصر والأردن، لصنع أكبر سيف في العالم، وسيكون على شكل سيف شبه الجزيرة العربية على أن يبلغ طوله خمسة أمتار، كما يملك غالغاي تصورات وتصميمات لعدد من المجسمات الضخمة، التي تشكل رمزية ثقافية أو إسلامية بصورة أو بأخرى، ومنها ما قدمه سابقا في صورة اقتراحات لحكومة دبي، أملا منه في تبنيها وتنفيذها، ويقول «لدي تصميمات لأعمال نحت ضخمة، أتمنى تنفيذها، مثل مكتبة عملاقة من الحجر وقلم يبلغ طوله تسعة أمتار، من الممكن وضعه في ميدان أو حديقة عامة»، مشيرا إلى صعوبة تنفيذ هذه الأعمال بصورة فردية، إذ ترتفع تكلفة المواد التي يتطلب الاستعانة بها.
ولعله من المدهش اكتشاف فنان موهوب مثل غالغاي لا يسعى وراء التكسب من موهبته، وما تصنع يداه من تحف قيمة ربما يصعب تقليدها، لكنه يبرر ذلك بحبه الشديد لاقتناء الأشياء الأصلية دونما غيرها، مؤكدا أن الشعور بأصالة الفن والبقاء وسط تلك التحف كافٍ بالنسبة له، ويغنيه عن أي مكسب آخر، ويقول عماد منتقدا صناعة التحف بطريقة آلية «لدينا في العالم العربي حرفيون كثيرون وأسواق متخصصة في صناعة التحف كالتي في دمشق أو خان الخليلي بالقاهرة، لكنها لم تعد كالماضي حيث ورث الصغار الصناعة دونما وراثة روح الفن والشعور بقيمة ما يصنعون»، لافتا إلى أن الشهرة في حد ذاتها لا تضيف إلى قيمة الفنان، من دون أنا يملك روح الفن والإخلاص في ما يقدم.
يذكر أن الفنان السوري عماد غالغاي هو مصمم جدارية الخط العربي المنحوتة على حجر الجرانيت، والمنتصبة في مقر ندوة الثقافة والعلوم في دبي، حيث تم اختيارها من بين كثير من المقترحات الفنية لفنانين آخرين.