من يمـلك الهواء
من يملك الهواء؟ سؤال أصبح من الصعب ايجاد اجابات محددة وقاطعة عنه، في ظل ما يحدث على الشاشات الفضائية العربية؛ وعلى الرغم من ذلك بات من الضروري طرحه بعدما تحول الهواء وما يبث عبره من برامج مباشرة مساحة فسيحة لاتخاذ مواقف وقرارات تبدو مفاجئة، مثل قرارات الاستقالة على الهواء مباشرة التي بدأتها الإعلامية مي شدياق عندما قدمت استقالتها أثناء تقديم برنامجها «بكل جرأة» في فبراير .2009 وأعقبها الناقد الرياضي المصري علاء صادق الذي قدم استقالته من قناة «مودرن» خلال البرنامج الذي كان يقدمه عليها، لتحذو الإعلامية اللبنانية شذا عمر حذوهما وتستقيل من محطة «إل بي سي» على الهواء مباشرة.
وتعدى الأمر ذلك، ليتحول الهواء إلى ساحة لتصفية الحسابات بين أطراف متصارعة، كما حدث بين الإعلامية نضال الأحمدية والإعلامي توني خليفة في برنامجه «دولارات وسيارات» في رمضان الماضي.
|
كل ذلك تحت شعارات تبدو إيجابية مثل الشفافية والمصداقية وكشف الحقائق، ولكنها سريعاً ما تغيب في مواقف وبرامج أخرى ـ لدى المذيع نفسه أو القناة نفسها ـ أكثر أهمية للمشاهد، وأقرب له ولاهتماماته وحياته، ما يشكك في صدقية هذه التبريرات، فاتحاً المساحة أمام الرأي المعارض لهذه الممارسات باعتبارها انتهاكاً لمبادئ العمل الإعلامي، واتهام أصحابها بمحاولة توريط المشاهد في قضايا وحسابات ليس طرفاً فيها، ولن يستفيد منها شيئاً، خصوصاً انه لا يمتلك الخلفية الكافية لفهم اسباب ما يحدث. وإنما يتوقف الأمر على الاطلاع على وجهة نظر واحدة دون الأخرى، بما يسلب الجمهور حقه في الإلمام بما يجري خلف الكواليس، ليكتفي فقط بما سمح له بمعرفته سواء من هذا الطرف أو ذاك.
وبالطبع اقتصرت «مواقف الهواء» على أصحاب الأسماء الشهيرة في مجال الإعلام، فإقدامهم على اتخاذ مواقف كان يستند في الأساس إلى شهرتهم ومكانتهم على الساحة، متناسين انهم بذلك يمنحون رخصة لإعلاميين شباب للاقتداء بهم، وربما بقدر أقل من الخبرة ووضوح الرؤية.
التعدي على الهواء لم يقتصر فقط على اعلاميين، فمن يتابع فضائيات عربية خاصة، لابد ان تصيبه الدهشة من إصرار أصحابها على إبداء الرأي في معظم ما تقدمه من برامج، ليس في اجتماعات داخلية مع العاملين في القناة، ولكن عبر مداخلات هاتفية يجريها رئيس مجلس الإدارة، وهو غالبا من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال وليس له علاقة بمهنة الإعلام. وعلى الهواء مباشرة مع مقدمي البرامج، يستطرد مسؤول القناة في إطلاق شعارات رنانة، وتقديم النصح والتوجيه للقائمين على البرنامج وضيوفه ايضا. ولا ينسى قبل ان يختم حديثه ان يؤكد حرصه على عدم التدخل، «مطلقاً»، في ما يقدم من برامج، واتاحة «الحرية» للعاملين في القناة لتقديم برامجهم.
وتتكرر المداخلات الاستعراضية في برامج ذات طبيعة مختلفة، ما يمنح المشاهد شعوراً بأن هذا الشخص جمع أطراف الحكمة والخبرة في كل علوم الأرض من الاقتصاد إلى السياسة مروراً بالاجتماع والرياضة والثقافة وحتى علوم الفضاء.
نوع آخر من «تجاوزات الهواء»، إذا ثبت حدوثه، سيعدّ هو الأكثر خطورة، وهو ما يتمثل في تحكم دول مالكة لأقمار اصطناعية في محتوى ما تقدمه قنوات تبث على أقمارها، لتقدم نموذجاً عصرياً من الرقيب الذي يبدو انه يتكيف مع كل العصور.