الفنانة ركّزت على تعابير الوجوه والطبيعة لنقل أفكارها وأحاسيسها. الإمارات اليوم

«جذور مضيئة».. الفن معتّقاً بـروائح الماضي

من الجميل أن يستنشق الزائر رائحة الماضي المعتقة بالتراث، وكل ما له علاقة بالانتماء إلى البيئة، في المعرض الشخصي الأول للشيخة حصة بنت خليفة آل مكتوم، الذي افتتح أخيرا في فندق رافلز في دبي، وحمل عنوان «جذور مضيئة»، واحتوى على 26 لوحة رسمتها آل مكتوم، في محاولة منها لتنقل إلينا شيئا عن حالة خاصة، وذكريات حاضرة وقصص ووجوه سمعت عنها يوما وتعيش بينها حاليا، إذ ظهرت لوحات المعرض نوافذ على ماضٍ اتسم بالبساطة، قدمتها الفنانة ذاكرة عبرت، من خلالها، عن الحياة الواقعية وطبيعة الإنسان العفوية، وعن ماضٍ ربما عاشته شخصيا، وعن حاضر برزت فيه كأم وعلاقتها مع أطفالها على ما يبدو، راسمة على وجوههم الابتسامة والشقاوة والجمال، فهم مستقبل تلك البيئة التي بدأت بسيطة ومرت بمراحل تطور أوصلتها إلى ما هي عليه حاليا، فبين التمور واللؤلؤ والبحر والنار والصحراء، انتقال روحاني له علاقة بمحاولة لمس ايام مضت بشكلها وبتفاصيلها، لكنها تعيش في قلوب الكثيرين وذاكرتهم، فرسومات الفنانة ربطت بشكل حسي الماضي بالحاضر وما طرأ عليه من متغيرات، ومن الجميل ايضا العناوين التي عنونت الفنانة بها لوحاتها، وهي مستمدة ايضا من التراث كالخبيزة والبر والخنيزي، وهو نوع من أنواع الرطب.

إحساس مرهف

المعرض الذي افتتحه سمو الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس هيئة دبى للثقافة والفنون بدبي، حيث اطلع سموه على اللوحات والأعمال الفنية البالغة 26 عملا ولوحة إكرليك على القماش، وأبدى إعجابه باللوحات والأعمال المعروضة، المستوحاة من طبيعة وتراث الإمارات، يبدأ مدخله بالزهور فهي أول المستقبلين للزوار ضمن ست لوحات أرادت بها الفنانة ان تشد انتباه المتلقي بقدرتها على رسم الطبيعة، فلوحات الزهور تنتمي الى المدرسة الواقعية التي تجعل الفنان ينقل واقع الطبيعة كما هو، ويضيف إليه لمساته الخاصة، من خلال اللعب بالألوان والضوء وانعكاسه على وريقات زهورها الست، وهي فاتحة شهية كي يدرك الزائر ان المعرض فيه الكثير من الحكايات التي يجب أن تقرأ، كلوحة «الزمن» التي رسمت فيها الفنانة صحراء مزروعة بزهور الخبيزة، وكأنها تشير الى التحول الذي أصاب الدولة، بعد أن كانت صحراء وأصبحت بلاد العمران الحديث، وفي الوقت نفسه تزغزغ مشاعر من عاشوا تلك الفترة وتذكرهم بماضٍ جميلٍ مضى، ولوحة «حديقتي»، إذ تظهر فيها زهور الجلنار والزنبق والورود البرية.

سيرة لونية

قالت الشيخة حصة بنت خليفة آل مكتوم، عن بدايات تجربتها الفنية، «أحببت الرسم منذ طفولتي، ولم أتوقف إلا عندما حالت مسؤولياتي العائلية كزوجة وأم لأربعة أطفال في سن متقاربة، دون متابعة هوايتي، والآن وبعدما كبر أبنائي بات لدي المزيد من الوقت للمتابعة من حيث توقفت، وعلى مدى عام ونصف العام كنت أرسم في الفترة الصباحية، خلال وجود أبنائي في المدرسة، كما اشتركت في عدد من الدورات الفنية على مدى ستة أشهر».

واقـع

من الواضح جليا أن الفنانة ركزت على تعابير الوجوه، وبعض اللقطات التي تعبر عن الطبيعة الصامتة، بهدف التعرف إلى المكان والحياة اليومية التي تكتنف الأماكن التي ثارت بها مخيلتها، وكذلك البيوت القديمة التي كان الطين واللبن مادتها الأساسية، ومن خلال ثلاث لوحات يقف الزائر أمام ثمار كانت تعتبر يوما أهم قيمة غذائية، فلوحة الخنيزي، على سبيل المثال لا الحصر، أشبه بلقطة فوتوغرافية منها برسمة، إذ اللون والضوء اندمجا بطريقة تحير الزائر، حتى يكاد يلمسها ليتأكد، وعنونت اللوحة باسم قديم للرطب ما هو إلا دلالة على تمسك الفنانة بعراقة ماضيها، وماضي بلادها، ومثلها لوحة رسمت فيها ثمار الطرثوث التي ترتبط بشكل عام بالبيئة الصحراوية، وأهم ما يميز هذه المجموعة الألوان التي استخدمتها الفنانة وتسليط الضوء عليها، إذ يعتقد لوهلة أنها حقيقية وليست مرسومة، فاللمعة واضحة والألوان عميقة وتفتح الشهية لتناول حبة من كل لوحة.

وهذه الدقة ليست بعيدة أيضا عن لوحة أطلقت عليها اسم «الجلادة»، التي استخدمت فيها الفنانة الجمل، وهو رمز من رموز الصحراء، وجزء مهم جدا من حياة البدو، وتميزت هنا بالألوان الصحراوية التي اختلط فيها الذهبي مع البرتقالي مع الفضي، وتوجد أيضا لوحة «الجفاف» ولوحة «الرحمة».

البحر ملح الحياة

ومع البيئة الإماراتية لا يمكن فصل البحر عنها، إذ كان يعتبر منجما ذهبيا يقتاتون منه ليومهم، لكن في لوحة «البحرية» تحديدا، عودة الى أيام الطفولة، إذ كان الأطفال، حسب مخيلة الفنانة، يبحثون دوما عن أشياء غريبة قذف البحر بها إلى الشاطئ، مثل الصدف والمحار، فعلاقة الطفل بالبحر علاقة موسيقية، فهو يجمع الأحجار الملونة ويرميها في البحر بحركة تصدر صوتا جميلا، ويأتي بأنواع من الأصداف، ويحاول أن ينفخ فيها، ليسمع صفيرها، ويضعها تارة أخرى على أذنيه مستشعرا صوت البحر داخلها، والطفولة حاضرة جدا في معرض الفنانة، في لوحة «حبات الرمل»، التي يظهر فيها أطفال كانوا يلعبون ويركضون، حتى التصقت على أقدامهم الرمال، في مشهد جميل وذهبي اللون، وقريب من المعنى لوحة «لاهي» من اللهو.

ألوان بيئية

لعب اللون في لوحات الفنانة ،26 منها واحدة قديمة رسمتها الفنانة عام ،1995 إذ اختارت ان تستخدم الوان الإكليريك كي تعطي رونقا لأعمالها، وكان اللون الذهبي حاضرا بقوة الى جانب الأصفر والأحمر والبرتقالي، ناهيك عن ألوان الزهور التي اختلفت بين البنفسجي والوردي والأحمر، وبرز الاخضر والأزرق في معظم لوحات البحر.

الأكثر مشاركة