وحيد سيف: أنا علامة مسجّلة يستحيل تقليدها
ربما تتعدى المعاناة التي يعيشها الفنان الكوميدي المصري وحيد سيف، حدود الوعكة أو الأزمة الصحية، بعدما أضحى غير قادر على الحركة بشكل كبير إلا بمساعدة من حوله، لكن الإيجابي في حالته هو رغبته الكبيرة في العمل والتواصل الاجتماعي، ما جعله لا يرفض ما هو قائم في الوسط الفني، بقدر ما يحرص على إثبات بعض مشاهداته، مقتنعاً بأن «لكل جيل ملامحه وأدواته الفنية». وفي الوقت الذي يؤكد فيه أن «استسهال الكوميديا من قبل فنانين يفتقدون الكثير من المقومات الفنية قد أسهم في إنتاج أعمال ضعيفة فنياً»، فإنه يؤكد أن هناك أسماء شبابية جديرة بأن تُحترم تجربتها مثل أحمد حلمي وهاني رمزي ومحمد سعد.
سيف الذي يعيش مرحلة «زهد فني» حسب توصيفه، والذي اعتبر أن أداءه التمثيلي مثل «علامة مسجلة يستحيل تقليدها»، فتحت معه «الإمارات اليوم» أثناء زيارته الأخيرة لدبي، ملفات، اذ عارض رأي الفنان سعيد صالح عندما صرح بأنه «يتقبل العزاء في المسرح الكوميدي». وقال سيف «قد تكون رؤية صالح مرتبطة بمقاييس لا تراعي المستجدات على الخشبة أو أمامها، لكن الثابت تاريخياً أن المسرح الكوميدي الذي عاش آلاف السنين، اقوى من أن تميته هزات أو تقلبات».
معايير الكوميديا
أضاف سيف الذي تمنى لو لم تحصره الأعمال الفنية في أدوار كوميدية خفيفة الظل، حسب تعبيره، لينفتح على طاقات أدوار درامية متنوعة «لا يمكن أن نقر تراجعاً في المسرح أو الدراما الكوميدية عموماً كظاهرة، لأن الضحك فعلاً إنسانياً لن يموت بل تتغير بواعثه، وأبرز دليل على ذلك أعمال شارلي شابلن الصامتة التي كانت تمثل ذروة الكوميديا في عصرها، لكنها تعدم التأثير نفسه في حالات إعادة عرضها في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي ربما ينسحب بنسب مختلفة مع العروض الكوميدية المعاصرة، التي ستظلم كثيراً في حال طبقنا عليها معايير كوميديا الستينات والسبعينات، وهو أمر لا يلغيأيضاً فكرة أن آفة المسرح الكوميدي الحديث ممثلة في ظهور ممثلين استسهلوا الضحكة فارتكبوا خطايا في حق الكوميديا على الخشبة تماماً كما ارتكبوها في مشاهد تمثيلية ساذجة في الدراما التلفزيونية والسينمائية».
خروج عن النص
استغرب سيف التعامل مع فكرة الخروج عن النص لفنانين كوميديين بعينهم على أنها تجاوز فني، مضيفاً «الخروج عن النص في أحيان كثيرة يتطلب عبقرية، وفناناً خبيراً بما يقبله المتلقي من عدمه، وبشكل خاص في العمل المسرحي الذي لا يحتمل تصحيح الخطأ قبل وصوله إلى المتلقي»، مضيفاً «هناك هامش غير مسموح بتجاوزه في ما يتعلق بالخروج الخلاق، لأن الأمر يتعلق برؤية كاتب ومخرج، فضلاً عن علاقة سياق المشهد بردود فعل سائر الممثلين المشتركين فيه»، مضيفاً «على الرغم من أن الخروج عن النص ليس تهمة أو عملا مشيناً، إلا أنه كان مقصلة لفنانين في ذات الوقت الذي حوله آخرون إلى بؤرة تجديد لمشاهدهم المسرحية المكرورة على الخشبة، لكنه يحتاج إلى كياسة شديدة وحساسية خاصة من أجل ألا يتحول إلى خروج خادش للحياء أو مسيئاً على المستويين الاجتماعي أو الأخلاقي».
في هذا السياق اعتبر سيف، أن هناك «خطوطاً حُمراً فاصلة بين الإسفاف، والكوميديا الناضجة» مضيفاً «نرى نماذج رخيصة للضحك يتسول أصحابها رضا المشاهدين عبر ادعاء العاهة أو السمنة، وغيرهما، وهؤلاء هم أشباه الممثلين الذين يجرمون في حق الدراما الكوميدية الهادفة، في حين أرى أن «الكوميديا التي تكشف موهبة الفنان الكوميدي الحقيقية، هي كوميديا الموقف، التي تتطلب أداء لا يعتمد فقط على مجرد سرد مفردات السيناريو، بقدر ما يؤثر فيها الأداءين الحركي والصوتي للممثل».
تسلية الصائم
حول العروض الرمضانية من الدراما التي تتصاعد من حيث الكمّ عاماً بعد عام، رأى سيف أن «هذا التصاعد في الكم يعود إلى سيادة مفهوم (تسلية الصائم)، من خلال أعمال كانت تهدف إلى ملء فراغ هواء البث التلفزيوني قبل أن يتحول الأمر إلى ملء فراغ العشرات من القنوات الفضائية اللاهثة بتنافس خلف كعكة الإعلانات»، مضيفاً «الحل أن تستيقظ ضمائر القائمين على اختيارات الدورات البرامجية، ويتذكروا أن الشهر الفضيل هو شهر عبادة في المقام الأول، وإذا كان هناك من ضرورة لصياغة دورات بمقاييس مختلفة، فالأولوية يجب أن تكون للبرامج أو حتى المسلسلات الدينية التي تتواءم مع قدسية هذا الشهر».
يحلم بدور «نيرون» بخفة ظله المعهودة تحدث الفنان وحيد سيف عن تجربته الفاشلة في إدارة مطعم للأسماك بمدينة الإسكندرية انتهى بإغلاقه، قائلاً «الفنان لن يتمكن من إن يستثمر سوى موهبته الفنية، وعندما يخرج من وسطه الفني يغرق». وأشار سيف إلى أنه من خلال مشواره الفني لم يحُل دون طموحه سوى ذلك «الربط الأبدي في أذهان المخرجين بيني وبين الأدوار الكوميدية، وهو الأمر الذي كان يشعرني أمام الكثير من الفرص بالظلم والغبن الشديدين»، مضيفاً «كنت أحلم طوال مشواري الفني بدور فارق يخرجني من هذه الدائرة الحصرية، وتخيلت نفسي كثيراً أؤدي دور «نيرون» على المسرح بكامل تناقضاته الدرامية، لكن حتى هذا الخيال ظل حبيس مخيلتي. |
وفي ما يتعلق بقدرة المسرح العربي في معالجة قضايا مجتمعية وواقعية على الخشبة، والتأثير في الجمهور بأكثر من مجرد حفظ الأخير لبعض اللوازم الكوميدية، كما الحال الآن، رأى سيف أن «المسرح العربي مازال قادراً على التغيير في الشارع والجمهور، ليس فقط المئات الذين يذهبون لمشاهدة عمل ما، بل مختلف قطاعات المجتمع من خلال تحول تلك المئات لرسل تحمل أفكار وقيم العمل المسرحي الذي تواصلوا معه على الخشبة».
وحول تقلص حضوره على شاشة السينما بغض النظر عن أحواله الصحية غير المستقرة، أشار سيف الذي كسر أيضاً ابتعاده عن سياق الاستضافات الإعلامية التلفزيونية بلقاء مع قناة «الحرة» الفضائية، إلى أن اتجاه معظم خيارات صناع السينما إلى مشروعات سينمائية تعتمد على النجم الأوحد، مضيفاً «في مرحلتي العمرية والفنية حالياً أحتاج إلى أدوار سينمائية بمواصفات بعينها قلما توفرها سينما الشباك السائدة حالياً»، لافتاً إلى أنه يفضل استثمار طاقته حالياً في أعمال تلفزيونية تصل إلى قطاع أعرض من الجماهير مثل مسلسل «بدر وبدرية» الكوميدي الذي يجسد بطولته، مؤكداً أنه أضحى شديد الاشتياق للمسلسلات الكبرى مثل «المال والبنون» حتى وإن كانت مشاركته فيها شديدة الرمزية.
طابع
شبّه الفنان الكوميدي وحيد سيف أداءه التمثيلي في تميزه عن نظرائه من ابناء جيله، بـ«(طابع البوسطة) أو العلامة المسجلة المحال تقليدها»، لكنه سحب التشبيه نفسه على «جميع الكوميديين المجيدين»، مضيفاً «ينجح الفنان الكوميدي عندما يتمكن من صنع شخصيته وطابعه الخاصين، ويفشل عندما يُستدرج إلى الكوميديا الفاقعة التي لا تبحث إلا عن إثارة الضحك بغض النظر عن فنيات بواعثه».
ورد سيف عن سؤال يفترض تعرضه لتجاهل إعلامي مقارنه بمعاصريه مضيفاً «الإعلام لم يمنحني فرصة الوجود تحت بؤرة ضوء إعلامي بذات الكيفية التي تمتع بها غيري، لكني بقيت على تماس شديد مع جمهوري، وهذا هو الأهم»، مضيفاً «أكثر الموجودين تحت هذه البقعة هو الفنان عادل إمام، فعندما سُئل عمن يضحكه من الفنانين أجاب: وحيد سيف»، واعتبر سيف الذي استثمر وجوده بدبي في لقاءات إعلامية قادته إلى برنامج «اليوم» على قناة الحرة الفضائية، أن المقياس الحقيقي لنجاح الممثل الكوميدي هو مدى قدرته على إضحاك الأطفال، مضيفاً «لهذا فإن الراحل إسماعيل يس على الرغم من نمطية أدائه التمثيلي، سيظل عملاقاً، وسأظل أنا شديد الاعتزاز بأن جانباً كبيراً من جمهوري هم من شريحة عمرية دون الـ10 سنوات».