لطيفة التونسية.. طفلة لمدة ساعتين في مركز راشد. تصوير: أشوك فيرما

لطيفــة تغـنـي لأطـفال مركز راشد

على الرغم من أن كثيراً من نزلائه ينتمون إلى جنسيات غير عربية، إلا أن أطفال مركز راشد لرعاية الطفولة بدوا يعرفون معلومات دقيقة عن زائرتهم، صباح أمس الأول، الفنانة لطيفة التونسية التي زارت المركز وانسجمت بشكل كامل مع أطفال في عمر الزهور يعانون في معظمهم إعاقات نفسية وفكرية متباينة، وتحدث الأطفال عن زائرتهم وألبوماتها والكثير من أغانيها التي رددوها معها في جو استثنائي من المرح، بدت فيه لطيفة التي فقدت الكثير من وزنها وحرصت على ارتداء ملابس تمكنها من مزيد من الحركة بمثابة فراشة تتنقل بين أقسام المركز المختلفة، تلعب كرة السلة مع بعض الأطفال تارة، وتشارك آخرين مهارات رياضية أو فنية أخرى.

الزيارة التي حرصت على تغطيتها وسائل إعلامية مرئية ومكتوبة متعددة، استمدت ألقها من استثمار مركز راشد بشكل دائم للوجوه المعروفة، خصوصا الوجوه الفنية في استقطاب اهتمام الشرائح المختلفة من المجتمع لفئة الأطفال ذوي الإعاقة، لاسيما أن المركز يعتمد في جانب كبير من ميزانيته على التبرعات من المؤسسات والشخصيات، وليست زيارة الفنانة التونسية سوى حلقة من سلسلة زيارات كثيرة ضمت عشرات الفنانين العرب والخليجيين والإماراتيين، وفي الوقت الذي تأكدت «الإمارات اليوم» من أن بعض تلك الزيارات كان يتم بصعوبة بالغة وبضمانات للفنانين بوجود تغطية إعلامية واسعة للحدث، فإن عدداً من الفنانين الزائرين أيضاً كان له سبق المبادرة بزيارة المركز، الذي يعد مع مركز دبي للتوحد بؤرتين أساسيتين لزيارات الفنانين خيرية الطابع في دبي.

وعلى الرغم من ذلك لم يخلُ الحديث في كواليس الزيارة من مؤشرات صفقات نزيهة تحدث بشكل تلقائي بين المركز والفنانين الزائرين، الرابح فيها بعد الزائرين هم أطفال المركز أنفسهم الذين يعد إحساسهم باحتفاء المجتمع بهم أحد الأمور المحفزة على سرعة علاجهم، حسب مديرة المركز مريم عثمان التي كانت تترقب عيون الأطفال وابتساماتهم المفعمة بالثقة والأمل أثناء اصطحابها لطيفة، من أجل التعرف إلى أقسام المركز، ومحاولة إدخال بعض البهجة لأطفاله الذين قاموا بإنجاز مشغولات يدوية عدة، وصاغوها في معرض من المؤكد أن إعداده احتاج إلى أسابيع طويلة قبل الزيارة، وإذا كان المركز قد نجح في استقطاب مزيد من الأنظار باتجاهه في تلك الزيارة، وهو أمر يساعده على التفاتة اجتماعية ينشد توجيهها لتلك الشريحة من ذوي الإعاقة، فإن الترويج والحضور الإعلامي للفنان من خلال هذه الإطلالات البعيدة نسبياً عن تقليدية حضوره الفني، يبدوان مقابلاً مستحقاً ما دام سيدر نفعاً اجتماعياً لتلك الشريحة المهمة.

صفقة نزيهة

لا يمكن لمتابع أن يغفل جماليات مشهد يقفز من البهجة والفرح، وتعلو خلاله الابتسامة والثقة وجوه أطفال من ذوي الإعاقة، استقبلوا لطيفة التونسية بأغنياتها، قبل أن تشاركهم أغنياتهم الطفولية الخاصة، وألعابهم في لوحة تتضمن الكثير من المشاعر وتلقائية الفعل.

على الرغم من ذلك فتحت «الإمارات اليوم» حواراً إعلامياً حول جماليات الصفقة النزيهة التي تقدم عبرها المؤسسات الخيرية للفنانين حضوراً وإطلالة إعلامية مختلفة عن إطلالاتهم الفنية، في مقابل استقطاب الشخصيات الزائرة اهتمام مختلف شرائح المجتمع لتلك المؤسسات التي تظل بحاجة دائمة للدعم المادي والمعنوي من الجميع.

السؤال عن الرابح الأول في هذه الصفقة ما بين الفنان وأطفال المركز، والمجتمع، جمع الأطراف الثلاثة في معظم الآراء، فثمة إجماع على أن الفنان هو الرابح الأول، حسب المذيعة بقناة سما دبي «فاطمة الصقور» التي غطت الحدث تلفزيونياً، وهو ما ذهبت إليه نفسه الزميلة عبادة إبراهيم من جريدة «البيان»، مشيرة إلى أن الجهات الخيرية في المقابل تحقق حضوراً مهماً من خلال هذه الفعاليات، على الرغم من أن الزميل فهمي عبدالعزيز من الجريدة ذاتها، اعتبر ضحكة الأطفال وسعادتهم وإحساهم باهتمام المجتمع، الثمرة الأولى لتلك اللقاءات، قبل أن تعود الصحافية صباح سعيد من مجلة «لها» إلى تأكيد أن الفنان هو الرابح الأكبر، مُعقبة «هو ربح يستحق من خلاله التقدير والثناء ربما أكثر من تألقه الفني، لأنه في كل الأحوال يصحبه مردود إيجابي على شرائح هي بحاجة ماسة إلى هذا المردود والاهتمام».

وجاءت هذه الزيارة ضمن التعاون القائم بين مركز راشد ومستشفى الأكاديمية الأميركية للجراحة التجميلية في مدينة دبي الطبية التي تقوم بإجراء العمليات التجميلية لبعض أطفال المركز، لمساعدتهم في المقام الأول على تجاوز إعاقاتهم أو مظاهر هذه الإعاقة، كما تسهم هذه العمليات في تغلب الأطفال على التلعثم وصعوبات النطق، عدا أنها تحسن نفسية الطفل ومظهره العام.

أوبعد جولتها في أرجاء المركز ومشاركتها الأطفال مواهبهم ومهاراتهم واللعب معهم والاستماع لأحاديثهم الشيقة، قالت الفنانة لطيفة التونسية «أسعدتني هذه الزيارة اليوم لمركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة بدبي، إذ أدركت مدى تطوره وخبراته التي تراكمت عبر السنوات، من أجل خدمة ورعاية وتأهيل هذه الفئة من أبناء المجتمع، وزيارتي اليوم تأكيد على ضرورة تفاعل الفنان مع قضايا مجتمعه وعدم الاكتفاء بالتعاطف الوجداني من دون اتخاذ خطوات عملية لرسم البسمة على شفاه الأطفال الأقل حظاً من ذوي الإعاقة أو الأيتام أو غيرهم، فالطفولة لا تتجزأ، وكل طفل عربي هو مسؤوليتنا المشتركة، وهم المستقبل الواعد لهذه الأمة».

وبعد أن غنت الفنانة لطيفة التونسية للأطفال نحو سبع أغنيات بعضها جاء بناء على طلب خاص من بعض الأطفال، قالت إن زياراتها لمركز راشد ستتواصل ولن تكون الأخيرة، فقد أقامت بداية علاقة مع هؤلاء الأطـفال وقـد وعـدتهم بتـكرارها، وأشـادت بمستوى المركز، وقالت إنه الأكثر أهمية في العالم العربي في هذا المجال، وخاطـبت الأطـفال وهي تغني بينهم، وقالت «أنتم الكمال ونحن النقص، نحن نتعلم منكم الحب الصادق البعيد عن المصالح».

وقبل مغادرتها المركز كتبت الفنانة لطيفة كلمة في سجل الزوار، كما أهدت مريم عثمان درع مركز راشد للفنانة الضيفة، كما أهدت الطفلة كوكب محسن لوحة رسمتها للفنانة لطيفة، إذ عكفت على رسمها منذ أسبوع، وبمجرد علمها بأن الفنانة لطيفة ستزور المركز.

من جانبها، قالت مديرة المركز مريم عثمان إن زيارة نجوم الفن العربي لمركز راشد لم تتوقف، وزيارة الفنانة المتميزة لطيفة التونسية للمركز اليوم تأتي ضمن هذا السياق، «فالفن لا يمكن أن ينفصل وينفصم عن قضايا المجتمع عموماً والطفولة خصوصا، والفنانة لطيفة دائماً سباقة إلى حب الخير في كثير من الدول العربية، وهذا ليس بجديد عليها، وهذه الزيارات تعيد طرح قضايا ذوي الإعاقة، وتستقطب الإعلام الذي يواكب هذه الزيارات ويتحدث عن مراميها وآثارها في الأطفال».

وشـكرت مديـرة المـركز الفنـانة لطيفة على هذه الالتفاتة الجميلة واللمسات الحانية التي نقلتها لأطفال المركز، ووجهت شكرها الجزيل إلى مستشفى الأكاديمية الأميركية للجراحة التجميلية في مدينة دبي الطبية، على الدعم المتواصل والتنسيق الرائع، والحرص على صنع غد الأطفال المشرق، من خلال عمليات التجميل التي تتم لضرورات طبية تسهم في علاج الحالات وتقدمها.

الأكثر مشاركة