سينمائيون: كــل شيء يمكن احتلاله إلا الخيال
المعادلة اختلفت أخيراً في ما يتعلق بالسينما العربية المصنوعة من غير العرب، ولم يعد السينمائي الأجنبي يتعرض لسوء الفهم والنية كما كان سابقاً، خصوصاً بوجود افلام تدعم القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فالزوايا بالنسبة للمخرج الأجنبي مختلفة الرؤية، والسقف عالٍ، والإحساس بالقضية محايد، فشعوره الإنساني هو الذي يحركه ولا يبحث عن ارضاء اطراف او الوقوف ضد اطراف، ومن شاهد الأفلام الأجنبية التي كانت حاضرة في مهرجان ابوظبي السينمائي في دورته الرابعة مثل «دموع غزة» و«ميرال» و«اطفال الحجارة» و«حرائق»، وغيرها، سيعي ان هناك مجموعة من السينمائيين الأجانب تبنت فكرة اظهار الحقيقة من خلال صناعة افلام تجوب العالم، وهم لا يطلبون من المشاهد ان يقف معهم بل يطلبون منه المراقبة فقط والذهاب الى المنزل ومراجعة ما شاهده، على اساس ان السينما لغة عالمية تصل الى عقول الجميع وقلوبهم في اللحظة نفسها، وعلى هذا اتفق نقاد ومخرجون عرب واختلفوا ايضا في ماهية صناعة افلام تحكي القضية الفلسطينية وغيرها بتوقيع اجنبي، فبعضهم رأى ان السينما لا حدود لها وللمخرج حق ان يحكي عن اي قصة يريدها، واخرون شككوا في نية المخرجين الأجانب في تناول قضايانا العربية، والبعض الآخر وجد انها فرصة للانتشار على امل ان السينما قادرة على تغيير الأفكار، مشيرين الى ان «اليهود اكثر من استخدم السينما لإظهار صورتهم للعالم على اساس انهم مضطهدون ومظلومون، لهذا وقفت شعوب كثيرة معهم، فكل شيء يمكن احتلاله الا الخيال».
فلسطين في السينما
السينمائي العراقي قيس الزبيدي الذي ألّف كتاب «فلسطين في السينما»، وتناول فيه كل الأفلام التي وثقت القضية الفلسطينية حتى عام ،2005 ووصل عددها الى 800 فيلم، صنع معظها من مخرجين اجانب، قال «لا يوجد اثنية في صناعة السينما»، موضحاً «فلسطين ليست حكراً على عقول مخرجيها فقط بل يحق لأي سينمائي ان يتناولها من اي زاوية حتى لو لم تعحبنا»، مشيراً الى ان «هناك أفلاماً كثيرة عالمية صنعت من سينمائيين لا علاقة لهم بالبلد، فنرى فيلماً يحكي عن موسكو بتوقيع سينمائي أميركي مثلاً»، مؤكداً «السينما لغة عالمية ويجب ان نشجع على وجود سينمائيين عالميين في منطقتنا»، وأضاف الزبيدي «السينما في عيون الفلسطينيين عاطفية ويمكن ان تصنع وطناً لكن السينما في عيون الأجانب يمكن ان تصنع رأياً ينتشر عالمياً»، متابعاً أن «الموضوع دائما يتعلق بالفكرة، التي بحث عنها المخرج وتابعها واقتنع بها، شريطة الا تكون لديه رغبة في التلفيق وتزوير الحقائق»، مشيراً الى ان المخرج لوري ايفينز الذي لقب بالطائر الهولندي صنع أفلاماً في كل قارات العالم، وكان له موقف تضامني مع القضايا العادلة، «فليس المخرج، الفلسطيني او اللبناني او العراقي، وحده من يستطيع ان يحكي عن بلده بل هناك الكثير من السينمائيين قادر ايضا على نقل واقع تلك الأوطان برؤية جمالية صادقة».
الإمكانات الإنتاجية
في المقابل، قال الناقد السينمائي الأردني عدنان مدانات ان المسألة تتعلق في الدرجة الأولى «بالإمكانات الإنتاجية»، وأضاف «أي سينمائي عربي يريد ان يصنع فيلماً عن قضية عربية من الصعوبة ان احصل على تمويل، اما بالنسبة للسينمائى الأجنبي فهناك كل التسهيلات التي تقدم له على طبق من ذهب»، مؤكداً «ان معظم السينمائيين الأجانب الذين يصنعون أفلاماً عن قضايانا وتحديداً القضية الفلسطينية هم متعاطفون وينتمون إلى الحركة اليسارية، لكنهم مع ذلك لا يصلون في افلامهم الى الإدانة الكاملة لإسرائيل»، لكن مدانات يجد ان طرح القضية بشكل عادل في فيلم اجنبي «هو ادانة للاحتلال بشكل غير مباشر»، مستذكراً الصورة الفلسطينية في السابق «الصورة الفلسطينية في السينما التسجيلية الفلسطينية في اواخر الستينات تحديداً، كانت تنتج من قبل المعهد الفلسطيني، وبعد ذلك استمرت مع إنتاجات لبعض الفصائل الفلسطينية في بيروت، التي شكّلت ظاهرة أسهمت في نقل صورة الوضع الفلسطيني الى محافل دولية من مهرجانات وندوات في مختلف أنحاء العالم»، واضاف «هذا النوع من السينما على الرغم من وظيفته البالغة الأهمية، وبعد سنوات من نشوئها، واجه نوعاً من النقد كون الأفلام التي انتجت في ذلك الحين كانت تصور بشكل عام الموضوعات نفسها التي تناولت القضية، وصورة الجلاد والضحية، التي اضيفت لها اليوم صفة ايجابية جديدة وهي المقاومة بشكليها المسلح وغير المسلح، التي عرفت في ما بعد الانتفاضة وثورة أطفال الحجارة»، مؤكداً «فلسطين، وأي قضية عربية، هي مسألة مفتوحة امام الجميع، ما يزيد التنوع في الرؤية وانتشارها».
قضايا عالمية
السينمائي الفلسطيني إيلي سليمان قال: «القضايا العربية وتحديداً القضية الفلسطينية تستثير عقل المخرج العربي او الأجنبي، لما فيها من موضوعات يمكن طرحها على شكل فيلم سينمائي فيه 400 لقطة واكثر»، وأضاف «السينمائي يعي تماماً ان المادة التي امامه هي مسؤولية تحتم عليه ان ينقلها بشكل صحيح، لذا فإن الأفلام التي تناولت القضيتين الفلسطينية او اللبنانية اثناء الحرب، وكانت بتوقيع اجنبي، لاقت استحساناً وانتشاراً عالميين، وإقبالاً من الجمهور الغربي»، مؤكداً أن «السؤال دائماً ينقل الى البحث والتقصي لمعرفة الحقيقة، والسينما سؤال وعلى المتلقي ان يبحث عن الجواب».
ويرى الناقد المصري طارق الشناوي اننا لا نستطيع ان نقول ان الصراع العربي الإسرائيلي لا يمكن ان يقدمه سينمائياً اجنبي، وعزا السبب «مع الانتشار الفضائي الذي ألغى فكرة (هذه معركتي) ومن حق اي شخص مهما كان انتماؤه ان يحمل وجهة نظر ويقدمها حسب رؤيته»، مؤكداً «كما يحق للعربي والمسلم ان يقدم (11 سبتمبر) كما يريد»، مشيراً الى ان «الدورة الفائتة من مهرجان «كان» السينمائي عرض قضية 11 سبتمبر من 15 وجهة نظر، من مختلف الجنسيات والديانات، وكان بينهم فيلم الراحل يوسف شاهين»، مؤكداً «حتى صورتنا البائسة في الأفلام الأجنبية نحن السبب فيها، فأفلامنا العربية تستخدم رجلاً يقول (لا اله الا الله) ويحمل السكين في قطع رؤوس الخرفان او البشر، نحن السبب في ترسيخ هذه الصورة».
رؤية غربية
مخرج فيلم «أطفال الحجارة» الذي عرض في مهرجان ابوظبي السينمائي، الألماني روبرت كريغ قال «لدي اصدقاء عرب كثيرون وانا شخصياً انتمي للقضايا العادلة واحاول ان احكيها بطريقة سينمائية لأنها اللغة التي أتقن»، وأضاف «قدمت فيلم (انتفاضة) عام 1989 وعدت بعد 20 عاماً كي أرى ما حدث وصدمت بالجدار الذي أراه اكبر دليل على عنصرية اسرائيل، لكن هناك املاً في ان اي شيء غير طبيعي سيزول مثل الجدار فهو اسمنت لا اكثر»، مؤكداً «انا ألمانياً عانيت ايضا في نشر الفيلم في المانيا وعرضه في التلفزيون الألماني الوطني، لكن مع اصراري تم عرض الفيلم وكانت ردة الفعل عليه انسانية جداً»، مؤكداً «انا ادرك حساسية الجمهور العربي تجاه الأفلام التي تحكي عنهم بتوقيع اجنبي، ولكن يوجد الكثير مثلي في الغرب يريدون ان يحكوا الحقيقة فقط».
في المقابل، قالت مخرجة «دموع غزة» النرويجية فيبيكة لوكبرغ: «لا اعتقد أنني سأكون سعيدة وانا انقل الدموع من عيون الأطفال الى العالم، بل اشعر بالخزي تجاه الصمت العالمي لما يحدث في غزة ومع اطفال غزة»، مؤكدة «هذا الفيلم غير حياتي وغير كل شيء في عقلي حتى بت مقتنعة أنه لا توجد قضية اعدل من القضية الفلسطينية، وانا مخرجةً اجنبيةً سأحرص على إدخال فلسطين في اعمالي اللاحقة دائماً».