راشد شرار افتتح «بطولة المزافن» شعرياً.. والعامري طـربياً

«السيف» أصدق إنبـاءً.. في الفجيرة

انطلاقة بطولة السيف كشفت جماليات فن المزافن التراثي. من المصدر

«اسلُك هذا الطريق للوصول إلى بطولة السيف»، لافتة اهتدت إليها مئات السيارات التي توجهت، مساء أول من أمس، إلى قلعة الفجيرة من أجل التعرف الى ملامح بطولة «السيف» للمزافن، التي تسعى إلى استلهام أحد الفنون التراثية المحلية من خلال مسابقة يستعيد عبرها المتسابقون تقاليد فن المزافنة الذي وُلد تاريخياً بشكل خاص في إمارات الفجيرة ورأس الخيمة والشارقة، قبل أن ينتشر في سائر إمارات الدولة، مرسخاً مهارات التحكم بالسيف والإبداع في تشكيل لوحات جمالية استعراضية بالتعامل معه أمام المنافس بالتوافق مع الإيقاع والنغم والطرب، فناً تراثياً حاضراً في الاحتفالات الإماراتية على اختلاف أنماطها.

انطلاقة البطولة في جولتها الافتتاحية كانت إيذاناً بطي سجل مرحلة طويلة من الإعداد والتصفيات، حسب رئيس لجنة التحكيم سلطان بن مليح، استدعت إلى جانب فرز أفضل العناصر للمشاركة في «السيف» إقامة حملات توعية بأهمية المحافظة على مختلف جوانب الإرث الفني، بالإضافة إلى شرح الملامح الفنية للمزافن، وبصفة خاصة في أوساط طلبة المدارس والجامعات الذين ينتمي إليهم بالفعل القوام الرئيس للمتسابقين، وفي الوقت الذي ألقت فيه البطولة ببوادر منافسة بين المطربين والشعراء الإماراتيين لضمان موطئ قدم لهم في البطولة التي تعتمد في فقرات رئيسة منها على استضافات شعرية وطربية، لمست «الإمارات اليوم» تنافساً بين عدد من الفضائيات لنقل تفاصيل البطولة، ضمنت خلاله «سما دبي» أفضلية تصويرها وإنتاجها تلفزيونياً واستقبال ترشيحات الجمهور عبر الرسائل النصية القصيرة، في مقابل دخول تلفزيونات أخرى مثل «الحواس» و«إنفينتي»، فضلاً عن تلفزيون الفجيرة نفسه في مفاوضات لضمان نقل فعاليات البطولة على نحو لا يتعارض من الاتفاقية المبرمة مع «سما دبي».

قيثارة تراثية

البطولة التي تقام بتوجيهات صاحب السموّ الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، وتتلقى دعماً ورعاية مباشرين من سموّ الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة، تحولت في أمسيتها الافتتاحية إلى قيثارة تراثية تُعزف في إمارة الفجيرة في أحضان أقدم قلاعها، وفي الوقت الذي داعبت فيه الأغنية الرسمية للبطولة بصوت الفنان حسين الجسمي سيوف المتحدرين من موطن فن المزافن الأصلي، الذي انتشر بين القبائل المستوطنة لقمم الجبال، كان الجميع يترقب انطلاقة المنافسات التي بدأت فعلياً فور حضور سموّ الشيخ راشد بن حمد الشرقي رئيس هيئة الثقافة والتراث بإمارة الفجيرة، وكشفت عن أن مدير بيت الشعر بالشارقة الشاعر راشد شرار، هو فارس أولى فقرات البطولة الشعرية، فيما حل الفنان حربي العامري ضيفاً على فقرتها الفنية، ليفتتح كل منهما في مجاله مشوار بطولة يراد لها أن تستمر دوراتها اللاحقة سنوياً من دون انقطاع.

«السيف أصدق إنباءً من الكتب» الشطر الشهير للشاعر العباسي أبوتمام تحوّل بأداء المتسابقين إلى «السيف أصدق إنباءً عن التراث في الفجيرة»، فرغم أن حالة العرض الأول لمسابقة ما لا تخلو من ارتباك وتخبط تنظيميين، إلا أن تلك الملابسات لم تكن حاضرة هنا، رغم خصوصية النقل التلفزيوني الذي قامت به «سما دبي» وتعرضه على شاشتها في الثامنة من مساء اليوم، وهو ما فسره رئيس اللجنة العليا المنظمة للبطولة الشيخ عبدالله بن سيف الشرقي لـ«الإمارات اليوم» برغبة جميع المسؤولين بالبطولة والقائمين على تنفيذها في إنجاز البطولة بأكمل صورة، مضيفاً «فضلاً عن مثالية توقيت انطلاقة البطولة، سواء من حيث حالة الطقس أو عدم انشغال الساحة المحلية بأي فعاليات تراثية، تمت الاستعانة بخبرات معمرين وممارسين لهذا الفن في بيئته الأصلية من أجل أن تكون البطولة وسيطاً أميناً لنقل تفاصيل هذا الإرث الذي يتجلى أهمية حضوره عندما نُبصر مختلف موجات الحداثة التي يتعرض لها المجتمع، سواء بفعل الانفتاح التقني والتكنولوجي أو التنوع الثقافي على أرض الدولة».

وعلى أنغام أغنية «السيف» التي تستحضر أمجاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مع حاضر إمارة الفجيرة بقيادة صاحب السموّ حاكم الفجيرة، أدى ثنائي المجموعة الأولى استعراضهما التنافسي، وسط تأهب جمهور جيد عدداً وتفاعلاً من الجنسين استقر في المدرجات لمعرفة تقاليد هذا الفن التراثي، رغم أن بعضهم ربما يتابعه أول مرة، وكان اسما المتسابقين محمد علي الشحي ومحمد أحمد الكنزاوي هما الحاضرين هنا، قبل أن ينالا ثناء لجنة التحكيم الرباعية المكونة بالإضافة إلى رئيسها سلطان بن مليح، من كل من راشد بن سويدان اليماحي وطارش راشد وراشد الشحي، وبشكل خاص في ما يتعلق بالثقة والاعتداد بالنفس، وسلاسة الحركة بالسيف بالنسبة للأول الذي نال 27.5 درجة، في مقابل 24 درجة فقط لمنافسه.

تنافس وانسجام

رغم أن المنافسة بالأساس ثنائية من خلال أحد أهم الآلات الحربية ارتباطاً بحياة العربي البدوي على مر التاريخ وهو السيف، إلا أن المتابع يلحظ انسجاماً وتعاوناً بين الشخصين المتنافسين، يجعل أحدهما لا يعتمد على إفساد مهارة منافسه بقدر ما يسعى إلى إمتاع الحضور وخطب ود لجنة التحكيم من خلال أدائه الشخصي، وهو ما برر حالة الانسجام التي بدت بين أكبر متسابقي البطولة طحنون راشد الحفيتي الذي يقترب من عامه الخامس والأربعين، مقابل منافسه الشاب عدنان راشد سليمان الذي بدا عشرينياً متمكناً من تفاصيل فن الاباء والأجداد المتوارث، رغم الوقوع في خطأ ثني السيف باليد الأخرى بالنسبة للأخير، قبل أن يعوضها برميات رأسية مهارية للسيف وإعادة تسلّمه بسلاسة أثناء الحركة، ما جعله مؤهلاً بالنسبة للجنة التحكيم لحصد 25 درجة مقابل 22.8 لطحنون الذي سيضطر إلى عقد آمال ترشحه على تصويت الجمهور من خلال 60٪ كاملة من درجة التأهل يرصدها نظام البطولة لتصويته عبر الرسائل النصية القصيرة، مقابل 40٪ للجنة التحكيم.

الوصول للمجموعة الثالثة كان عملياً بمثابة الاستمتاع بأفضل لقاءات المزافن في هذه الجولة التي جمعت أحمد محمد الحبسي وسليمان بن علي الشحي، من خلال منافسة حماسية وصلت إلى حد تعدد التماسات الصارمة بين السيفين، واستخدام مهارات القفز لاستبدال موقف الدفاع بآخر هجومي.

ثلاثي المجد

بأبيات خماسية ارتجلها الشاعر راشد شرار بدأت الاستضافة الشعرية لبطولة السيف، من خلال مديح شعري بجمال الطبيعة وشموخ شواهد المجد في إمارة الفجيرة، فيما تعاضدت الكلمة مع اللحن والصوت الجميلين في أصوات ثلاثة فنانين، هم حسين الجسمي، وهزاع بألأغنية الرسمية بالنسبة للأول، وأغنية الختام بالنسبة للثاني، فضلاً عن الفقرة الفنية الأولى في المسابقة التي أحياها حربي العامري.

الفنون المصاحبة رغم ذلك لم تنل من نصيب فن «المزافن» الذي توارثته عبر القرون القبائل البدوية المستقرة في قمم الجبال، متخذاً من السيف أداة لاستعراض فنون التحكم به والمباهاة بحيازته بانسجام مع الإيقاع والنغم الموسيقي في الأداء، ليصبح منتشراً في ربوع الإمارات، ومتمتعاً بفرصة انتشار خليجي أوسع عبر «السيف» التي ستحتضن منافساتها أسبوعياً قلعة الفجيرة مساء كل جمعة، في البطولة التي يتنافس على جوائزها البالغة مليون درهم وسيوفها الذهبية والفضية والبرونزية نحو 50 متسابقاً تأهلوا من التصفيات التمهيدية للمسابقة. الاهتمام الرسمي والجماهيري وأيضاً الإعلامي بـ«السيف»، وتوقيت انطلاق البطولة والتفات الفئة المستهدفة وهم الشباب بأهمية صون التراث ممارساً حياً، مؤشرات مهمة على نجاح البطولة التي جعلت الطرق المؤدية إلى إمارة الفجيرة في حالة استثنائية من حركة السيارات العابرة لها، سواء قبيل انطلاقة فعالياتها الافتتاحية أو فور الانتهاء منها.

وبدا وكأن الشحي والحبسي مصرّان على انتزاع بطاقة التأهل المنحصرة بينهما إلى الدور الثاني، لكن إعجاب لجنة التحكيم بأدائيهما جعلها تتحسب أن تكون هي من يقرر خروج أحدهما، محيلة هذا القرار إلى الجمهور بعد أن منحتهما بالتساوي 27 درجة لكل منهما.

ورغم أن المجموعة الرابعة ضمت أصغر المتسابقين سناً، إلا أنها شهدت استعراضاً مثالياً بالسيف في مهارة رميه باتجاه عمودي لمسافات بالغة الارتقاء وإعادة تسلّمه بمهارة، وهو ما جعل إداء كل من عبدالله اليماحي وسلطان قدور الشحي متناغماً رغم حصولهما على تصنيف متواضع قياساً بالمشهدية وتجاوب الجمهور مع تفاصيل فنياتهم، إذ حصل اليماحي على 42.5 درجة، مقابل 15.1 للشحي، لكن خطأً في تسجيل رقم المتسابق الذي يتلقى على أساسه ترشيحات الجمهور دفعت المذيع إسماعيل الشيباني إلى الطلب من رئيس لجنة التحكيم إعادة إعلان النتيجة.

وفيما قدم حربي العامري أغنيتين من أحدث ألبومه هما «تعاندي» و«يا داني»، كانت اللوحة الختامية لأغنية «البطولة» التي تستحق بكلماتها بشكل خاص أن تكون إضافة مهمة لمكتبة الأعمال الفنية المتغنية بتراث الإمارات وأمجادها، وهي المعاني التي نجح في إيصالها صوت «هزاع» الذي ستظل أغنيته التي فاجأ بها الحضور آخر فقرات بطولة السيف التي تتواتر أسبوعياً حتى 10 ديسمبر المقبل.

تويتر