عابد فهد: «محمد الفاتح» أضخم عمل تاريخي عربي بميزانية 5 ملايين دولار. من المصدر

عابد فهد: الشللية أفـسدت الدراما

يمتلك الفنان السوري عابد فهد حساسية مفرطة في الإجابة عن أسئلة يرى أن محتواها يدخل في سياق الترويج الشخصي له، وعلى الرغم من معاناته تجاهل منتجين ومخرجين وممثلين أضحوا يكوّنون مجموعات لا تعرف التعاون خارج نطاق أشخاصها، إلا أن فهد احتاج الكثير من الوقت كي يصرح «نعم، أنا ضحية شللية أعمال درامية لا يحفز أعضاؤها سوى الصفقات المادية بينهم»، مضيفاً في سياق آخر رداً على سؤال لـ«الإمارات اليوم» «لم أتلق عرضاً للمشاركة في أعمال بدوية صُورت ما بين الإمارات وسورية».

وأضاف فهد «هناك مسميات حديثة وجاذبة يتستر تحتها الكثير من المجموعات الشللية أبرزها الشراكات الفنية، على الرغم من أن مفاجأة المشاهد وتجديد التعاون بين العناصر الفنية يصنعان دائماً أعمالاً رائعة تقترب من ألق الاختراع أو التكوين الجديد، في عملية أشبه بالتفاعل الكيميائي الذي تختلف نتائجه كل مرة باختلاف العناصر المشاركة فيه، لذلك فإن معظم الشراكات الفنية هي بالأساس ضد الإبداع والتجديد في الدراما العربية، بل إن هذه الشلل أفسدت الدراما».

وتساءل فهد عن كيفية حضور الإبداع فعلياً في نتاج مخرجين ينخرطون في أعمال كثيرة عددياً في مراحل زمنية قصيرة، مضيفاً «لماذا لا يُخرج العظيم داوود عبدالسيد سوى عمل وحيد كل نحو ثماني سنوات؟ ولماذا يتصف عملاق آخر في عالم الإخراج التلفزيوني مثل يسري نصرالله بالندرة إذا ما قورن إنتاجه بمخرجي السوق؟ من المؤكد أن التزامهما بطرح رؤى إخراجية جديدة وعدم دغدغة العوائد المادية وتغلبها على اشتراطاتهما القاسية لفنيات أعمالهما، وغيرها من العوامل الفنية تقف وراء الإجابة عن هذا التساؤل، بخلاف الجيل الجديد من المخرجين الذي لم يستطع أحد من المنتمين إليه الاقتراب من هالتهم الإبداعية، باستثناء تلميذ يوسف شاهين المخلص خالد يوسف في ما يتعلق بالدراما السينمائية، على الرغم من أن هذا الأخير اضطر أحياناً في بعض أعماله إلى الهبوط لمستوى اشتراطات السوق إن جاز التعبير».

واعتبر فهد أن غياب المشروعات الدرامية الكبرى عربياً يعود أيضاً إلى غياب المنهجية مضيفاً «الأفلام الأميركية المهمة لا يتم إنتاجها جزافاً، أو وفق سلطة أحادية أو ثنائية قوامها المخرج والمنتج، بل وفق دراسات وورش عمل تنتهي إلى أفضل السبل والإمكانات البشرية والفنية لإنجازها، وهو الأمر الذي يكاد يكون غير مسبوق في مجال الدراما العربية».

 

سلطة الإعلان

عابد الذي يقيم بين ثلاث مدن مختلفة هي دمشق مسقط رأسه، والقاهرة التي يرتبط فيها بالاشتراك في مسلسلات مصرية، ودبي التي تقيم فيها زوجته المذيعة بقناة «العربية» زينة يازجي، لم يستثمر وجوده في دبي منذ سنوات طويلة سوى بمسلسل وحيد شاركته فيه البطولة الممثلة ميساء مغربي.

ليس تجميلاً

نفى الفنان السوري عابد فهد أن تكون أعماله التاريخية تجميلية ونوعاً من الحنين لشخصيات أو حقب سالفة، مضيفاً «غياب التوثيق عن الأعمال الدرامية انتحار فني وتخلٍ غير مقبول عن المصداقية»، مجيباً عن استفسار حول أسباب النبش الدرامي لتفاصيل شخصية مثل الخليفة محمد الفاتح في هذه المرحلة تحديداً بمسلسل هو الأضخم إنتاجياً في الدراما العربية بكلفة خمسة ملايين دولار «لا يمكن أن يكون السبب هو الدعوة لاستحضار (فاتح) جديد، بقدر ما هو قراءة درامية لحقيقة تاريخية مهمة يمكن أن تؤدي إلى استخلاص عِبر سياسية واجتماعية».

وأضاف فهد الذي شارك كاتب المسلسل قرار اختيار الشخصية «هذه الشخصية مظلومة درامياً، على الرغم من أنه قضى على الإمبراطورية البيزنطية، ووسع ممالك الدولة العثمانية بفتوحاته المتعددة في آسيا، وتوغل في أوروبا، من دون أن تشغله فتوحاته عن النهضة الإدارية التي قضت على بوادر الفساد، فضلاً عن كونه مؤرخاً من الطراز الأول وموسوعة علمية وثقافية، ومجيداً لعدد كبير من اللغات».

وأضاف فهد «ننجز هذا المسلسل من دون شبهة تسييسه، ونتضامن مع رسالات المسلسلات التاريخية بصفة عامة، الداعية لئلا يكرر التاريخ نفسه، لكننا على المستوى الثقافي العربي مازلنا نحتفظ، وربما نحتفل، أو نتذكر بشجون، تواريخ مفصلية في مسار الأمة، من دون أن نستخلص تماماً عبرها ودروسها».

الحوار مع صاحب «الطريق إلى كابول» الذي أوقفته فضائيات عربية بعد أن بدأت بثه، يقود دائماً إلى الحديث عن «سقف الحرية» و«حدود الإبداع» و«سلطة الرقيب» العربي الذي قال بصدده «تجاوزت مرحلة الإحباط من أعمال درامية لا يسمح بعرضها استجابة لضغوط سياسية، وأصبحت أكثر عملية في التعامل مع سقف الإبداع العربي الراهن، لكن للأسف طفت على السطح سلطة أشد بطشاً من نهج الإقصاء المبني على مؤشرات سياسية، وهي سلطة المعلن العربي نفسه الذي يفضل أعمالاً ومسلسلات أقرب إلى التسلية وأبعد عن الواقع العربي المأزوم».

واستشهد فهد، الذي تم تكريم أحد أحدث المسلسلات المصرية التي شارك في بطولتها وهي «هدوء نسبي» في جنيف أول من أمس، بإحجام معظم الفضائيات عن عرض مسلسل «أنا القدس» في رمضان، مضيفاً «مفاوضات الجهة المنتجة للمسلسل مع الجهات المسؤولة عن شراء المواد الدرامية الخاصة بشهر رمضان كانت تحيل دائماً لرغبات المعلن، ما جعل العمل مقتصراً على ثلاث فضائيات فقط هي سورية والمنار وفلسطين، في حين ستبدأ قناة (إم بي سي) عرضه قريباً».

وحول الكثير من الأعمال ذات الطابع الوطني او السياسي في الفترة الأخيرة قال فهد «العلاقة مع الآخر هي الكامنة وراء الكثير من ملامح واقعنا العربي المعاصر، حتى على الصعيد الاجتماعي، والباحث سيكتشف أن آثار المسار السياسي عربياً مثل القضية الفلسطينية، والوضع في العراق، وغيرهما من الأماكن الملتهبة عسكرياً وسياسياً، جزء من الهم العربي اليومي، وتحدد ملامح تعاملنا مع المعطيات الجديدة، وحتى في أمور بسيطة مثل كيفية قضاء عطلتك عربياً عليك أن تكون قارئاً لنشرات الأخبار التي قد توصيك بعدم التوجه لمدينة أو دولة ما، وهو ما يجعلنا لا نعيش بمطلق الحرية».

ولادة عسيرة

الحياة المقيدة التي أشار إليها فهد أحالتنا إلى عمل سيبدأ تصويره قريباً في دمشق بعنوان «الولادة من الخاصرة» تأليف سامر رضوان، وإخراج رشا شربتجي، مضيفاً بصدده «هو يرصد الولادة العسيرة للجيل الحالي وأيضاً المتوقعة لمستقبل أطفالنا، فنحن نحارب من أجل أن نعيش، ومن أجل أن نأكل، ونسكن، وأن ندخر شيئاً لمستقبل أطفالنا، فحياتنا جميعاً، باختلاف النسب، أضحت ولادة عسيرة نعيشها كل يوم».

وكشف فهد الذي شارك أيضاً النجمة المصرية ليلى علوي في مسلسل «حكايات وبنعيشها» عن بدء تصوير مسلسل سوري بوليسي جديد يشارك في بطولته، فيما اعتبر أن المسلسل التاريخي الضخم الذي يُجهز له منذ عامين وسيبدأ تصويره العام المقبل بين سورية وتركيا بعنوان «محمد الفاتح» هو رهانه الجديد في مجال الأعمال التاريخية بعد إنجازه مسلسلات مثل «الحجاج بن يوسف الثقفي» و«الظاهر بيبرس» و«المرابطون والأندلس» وغيرها.

الأكثر مشاركة