"الإسمنت" يحاصر الحرم الشريف "مهدداً" تراث مكة المكرّمة
أسفرت أعمال تحديث وتطوير مكة المكرمة لتلبية متطلبات استقبال ملايين المعتمرين والحجاج سنوياً، إلى ظهور غابة من الإسمنت باتت تحاصر الحرم الشريف وتلقي بثقلها على الطابع التاريخي للمدينة المقدسة.
وتاريخياً، شكلت خدمة الحجاج والمعتمرين النشاط الإقتصادي الأهم لمكة، التي تستضيف سنوياً أكبر تجمع بشري في العالم، واستقبلت هذه السنة 2.8 مليون حاج.
وتقع مكة في واد تحيط به الجبال، وبالتالي فانه لا يمكن مشاهدة الحرم الشريف كاملاً إلا من على هذه الجبال القريبة.
وحالياً، يمكن مشاهدة برج مكة الملكي الذي سيصل ارتفاعه إلى أكثر من 600 متر، عند الانتهاء من أعمال الإنشاء، وهو برج تكلله ساعة عملاقة على جهاته الأربعة، من الجبال والهضاب المجاورة ما يسمح بتحديد موقع الحرم، إذ انه ملاصق له.
وسيكون البرج ثاني أعلى مبنى في العالم بعد برج خليفة في دبي (828 متراً)، أما الساعة فستكون مرجعاً للتوقيت بالنسبة لمسلمي العالم في مواجهة توقيف غرينيتش.
وتحيط بالحرم عدة مبان شاهقة، وبات مشهد المدينة شبيه بالمدن المتطورة عمرانياً مثل نيويورك.
وتحت الساعة العملاقة، عدة ابراج تحوي فنادق ومراكز تجارية تحتضن متاجر تبيع الماركات الفاخرة. كما ان واجهات المباني المحيطة بالحرم تملؤها المصلقات الدعائية العملاقة الموجهة للحجاج.
وقال الحاج الباكستاني عقيل مالك إن "هذه الأبراج لا يجب أن تكون هنا حول الحرم إذا بات يصعب الوصول إلى الحرم، وكان يفضل لو أبقي على المساحات المفتوحة في هذا المكان". وأطلقت حول الحرم عدة مشاريع لتوسيع قدرته الإستيعابية.
وتظهر صور فوتوغرافية تعود لخمسين عاماً خلت، الكعبة محاطة، فقط، بحرم أصغر بكثير مما هو عليه حالياً، وتحيط به المباني القديمة.
وجرفت أحياء بكاملها من تلك التي كانت تحيط بالحرم، ورفعت أعمال التوسعة القدرة الإستيعابية للحرم إلى 700 ألف شحص على الأقل.
ويتم حالياً تنفيذ مشروع توسعة جديد أمر به الملك عبدالله بن عبد العزيز، ويمكن مشاهدة الرافعات وآلات الحفر تعمل شمال الحرم.
وكثرت المشاريع العمرانية حول الحرم، ما حد من سبل الوصول إليه، الامر الذي قد يؤدي إلى حالات اكتظاط يمكن ان تكون خطيرة.
وعانى حراس المراكز التجارية القريبة من الحرم، من دخول الحجاح إلى المراكز لتأدية الصلوات.
أما المقتدرون مالياً، فيمكنهم استئجار غرف في الفنادق والابراج المحيطة بالحرم واداء الصلوات من شرفاتهم المطلة على الكعبة.
وقال بائع الأقمشة في سوق مكة القديم صقر حميد (30 عاماً)، إن "تراث مكة يتضرر. لقد تغيرت مكة وهي كانت أجمل بكثير عندما كنت صغيراً".
ويفترض أن يهدم متجر حميد اليمني الجنسية، ضمن مشاريع التوسعة الجديدة حول الحرم.
ولا يبدي البائع قدراً كبيراً من الحزن بسبب هدم متجره، وإنما يعرب عن اعتقاده بانه لا يجب بناء الأبراج والمراكز التجارية مكان المباني القديمة، موضحاً "من الأفضل ابقاء فسحات فارغة حول الحرم ومفتوحة لكل الناس".
إلا انه ليس من المرجح أن تتحقق أمنية حميد، إذ أن أعمال الحفر بدأت لإزالة تلة كاملة بالقرب من الحرم، من اجل بناء مجمع ضخم سيضم برجين ومركزاً تجارياً كبيراً.
بيد أن السلطات بذلت جهوداً كبيرة لتطوير البنية التحتية في المشاعر المقدسة الأخرى في منطقة مكة، للحؤول دون تسجيل حالات تدافع مميتة كالتي حصلت في الماضي. ولكن لتعزيز أمن الحج، تم محو جزء من تاريخه.
وتظهر الصور الفوتوغرافية التي تعود لخمسين سنة خلت، مواقع رمي الجمرات بشكل مختلف كثيراً عما هي عليه الآن، مع عامود قصير وسط دائرة في كل موقع من مواقع رمي الجمرات الثلاث.
والآن، هناك جسر الجمرات المؤلف من خمس طبقات تخترقه ثلاثة جدران عريضة حلت مكان العواميد القديمة. والجسر الضخم الذي يشبه مواقف السيارات فيه مهبطان للمروحيات.