تفاؤل إماراتي بتكرار إنجازات الدورة الماضية
«المسرح الخليجي» ينطلق بـ «مجاريح» القطرية
انطلقت مساء أول من أمس في العاصمة القطرية الدوحة منافسات الدورة الحادية عشرة لمهرجان المسرح الخليجي، الذي طلبت تنظيمه استثنائياً قطر لتختتم به سلسلة طويلة من الفعاليات الثقافية التي استضافتها هذا العام، بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية.
وفي تقليد جديد يعكس مدى الحرص الرسمي من اللجنة المنظمة للمهرجان على المشاركة الإماراتية، والسعي لإيجاد حلول تتواءم مع الأجندات الثقافية المختلفة لجميع دول مجلس التعاون، فقد تم إطلاق المهرجان بمسرحية غير مشاركة في المسابقة الرسمية، انتظاراً لوصول الوفد الإماراتي الذي كان مشغولاً بفعاليات مهرجان مسرح الطفل، وتم شغل اليومين الأولين بورشة مسرحية، وعرض مسرحية «ها الشكل يا الزعفران» قبل أن تنطلق المسابقة الرسمية بمسرحية «مجاريح» القطرية.
تهانٍ رياضية
وعلى الرغم من أن العرض الافتتاحي أيضاً كان مخصصاً للمسرحية الإماراتية «السلوقي»، إلا أن تفهّم طلب مسبق تقدم به الوفد الإماراتي من أجل ترحيل عرض «السلوقي» إلى آخر أيام المهرجان، من أجل ضمان جاهزية العرض وإيجاد مساحة زمنية معقولة بين المهرجان المحلي لمسرح الطفل، والآخر الخليجي، صبّ أيضاً في إطار توكيد دفء العلاقات بين مسؤولي وزارات الثقافة الخليجية، والحرص على وجود المسرح الإماراتي في هذا المحفل، ما جعل العرض الافتتاحي الذي ينحاز لـ«الإمارات» دائماً في هذا المحفل بسبب اللجوء إلى ترتيب عروض الفرق حسب التسلسل الأبجدي، يذهب هذه المرة للمسرحية القطرية.
طقوس الزهو بنجاح قطر في الفوز باستضافة مونديال كأس العالم لكرة القدم العام ،2022 غلّفت الافتتاحية الفعلية للعرس المسرحي الخليجي، واستبدل المسرحيون تهانيهم المعتادة ببدء دورة جديدة لمحفلهم الذي يتكرر كل عامين، بتهانٍ أخرى في المجال الرياضي هذه المرة، وتحوّل مسرح قطر الوطني إلى قاعة متزينة بالعلم العنابي القطري الذي توشح به الكثيرون من الحضور من الجنسين، فيما لم تغفل الكلمة الافتتاحية لوزير الثقافة القطري، حمد الكواري، هذا الجانب، مشيراً إلى أن من حسن الطالع أن يصادف تجمّع كل هذه الوفود في «أيام فرح» قطرية وعربية بالفوز بتنظيم المونديال، فيما قدم جملة من المقترحات للجنة الدائمة للمهرجان تقضي بالسعي لدعم أعمال مسرحية خليجية مشتركة، وتفعيل إعادة عرض مسرحيات خليجية تمثل محطات شديدة الخصوصية في المسرح الخليجي على نحو يستفيد من التقنيات والتطورات الفنية الحديثة.
«عنتر وعبلة»
«فيروز» آخر شكلت المقارنة بين عرض مسرحية «مجاريح» لمؤلفها إسماعيل عبدالله وبرؤية إخراجية للقطري ناصر عبدالرضا في افتتاحية مهرجان المسرح الخليجي بالدوحة، وبين النص نفسه برؤية إخراجية للإماراتي ناجي الحاي ومن خلال ممثلين مختلفين ضمن أيام الشارقة المسرحية العام 2007 مقارنة مقبولة لدى البعض، رغم الاختلاف الكبير بين العملين، رغم أن بعض المسرحيين، مثل الفنان محمد سعيد رفضوا هذا المبدأ، مؤكداً أن «لكل عمل إبداعي ظروفه وملابساته التي تختلف باختلاف الرؤية الإخراجية الناظمة له». الفنان سعيد سالم الذي كان بطل مسرحية «مجاريح» في عرضها بالشارقة جاء من مطار الدوحة مباشرة إلى قاعة العرض في مسرح قطر الوطني، وبخفة ظله المعتادة كان يوجه سؤالاً لمقابليه مداعباً: «فيروزهم أم فيروزنا؟»، قاصداً المقارنة بين أدائه وأداء الفنان علي ميرزا، قبل أن يجيب بإشادة بالعرضين معاً، فيما أكد إسماعيل عبدالله أن النص في العمل الجديد تم اختزال الكثير من تفاصيله لمصلحة مساحة حضور الأغاني والموسيقى الشعبية». |
واستقطب عرض «مجاريح» التي يعود نصها إلى رئيس جمعية المسرحيين بالإمارات الفنان إسماعيل عبدالله، ويخرجها القطري ناصر عبدالرضا ويقوم ببطولتها علي ميرزا وعبدالله أحمد وفاطمة شداد وعبدالله سويد ومحمد الصايغ وفوز الشرقاوي، جمهوراً غفيراً اضطر بعضه الى متابعة العرض وقوفاً بعد امتلاء المسرح، فيما جذبت الندوة التطبيقية له عدداً كبيراً أيضاً من النقاد والمهتمين بالشأن المسرحي الخليجي.
وباستيحاء من إحدى أهم قصص العشق والفروسية العربية «عنتر وعبلة» سعت «مجاريح» إلى طرح رؤية ثورية رافضة لمفهوم الطبقية في المجتمع، من خلال علاقة عشق بين «فيروز» العبد الأسود، و«ميثا» الفتاة الأرستقراطية ابنة أحد عليّة القوم، لكن الزمان والمكان الدقيقين ظلا شديدي الاتساع، بحيث لم يؤشرا فقط من خلال الملابس والديكور سوى إلى زمان ومكان ما في إحدى الدول الخليجية بعيدا كعادة هذه الأعمال عن التخصيص، في الوقت الذي مثل حضور الموسيقى والغناء الحيز الأكبر من العمل الذي استثمر جماليات الفنون الشعبية القطرية على نحو أقرب إلى توثيق التراث في عمل مسرحي، الأمر الذي أدى إلى تقليص مساحات الحوار إلى حد بعيد عن تلك التي وجدت في المسرحية نفسها وأخرجها ناجي الحاي العام .2007
وكما القصة الأصلية في التراث العربي يتمكن العاشق المنبوذ اجتماعياً من نيل حريته، بل ومحبوبته في ما بعد، لكنه في نص إسماعيل عبدالله يعيد نفسه، وتتكرر الأحداث على نحو مشابه مع بنته، التي تهرب بطريقة هروب ميثا نفسها من منزل أبيها، الذي يتخلى عن قناعاته وتعريه الرؤية الإخراجية لتكشف عن إشكالات كامنة تغلفها نبرات الشجاعة والاعتداد بالنفس، والتمسك بالمحبوبة.
إحدى جماليات العمل تمثلت في توقيت الأغاني، سواء من قبل المطربة الشعبية أو المجاميع، إلا أن مساحتها شكلت عبئاً على العمل الذي اعتمد إلى حد كبير على السينوغرافيا، وهو ما جعل أحد المتحدثين في الندوة التطبيقية، الناقد المصري حمدي الجابري، يشير إلى أن «(مجاريح) عمل للعرض وليس للقراءة»، لافتاً إلى أنها «تأكيد على تحول إسماعيل عبدالله إلى رقم شديد الأهمية في قائمة كتاب المسرح الخليجي الأكثر تميزاً بسبب لجوئه إلى أساليب مبتكرة في معالجة أطروحات وقضايا لا تنتفي عنها الجرأة والجدية».
وأشار الجابري إلى أن المخرج ناصر عبدالرضا أتاح لممثليه ميزة تقديم شخصيات مسرحية واضحة المعالم وغير ملتبسة، واستعراض إمكاناتهم الأدائية والصوتية من خلال حركات معبرة وكاشفة عن حالاتهم النفسية، ومنسجمة مع سياق الأحداث بدلالاته المختلفة، معتبراً أن «مجاريح» في إحدى قراءاته عمل قطري خليجي تتحقق فيه أمنية الوحدة العربية، مقترحاً تصدير العمل إلى الخارج في إطار التأكيد على تمكين المرأة من حقوقها وليس فقط في ما يتعلق بجزئية اختيار شريك الحياة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news