وسط توافد محبي الهجن وعشاق «البر»
الظفرة.. فرح وهتافات ورقصات شعبيـة
«من يرى ليس كمن يسمع»، هذه المقولة كانت الدافع للإعلاميين الذين حرصوا على تلبية الدعوة التي قدمتها هيئة ابوظبي للثقافة والتراث لهم لزيارة المنطقة الغربية ومهرجان الظفرة في موسمه الرابع، خصوصاً أن الدعوة لم تكن مجرد زيارة عادية، ولكنها رحلة سياحية بصحبة مرشد أو دليل سياحي، وتسير وفق برنامج محدد يضمن إلقاء الضوء على المنطقة الغربية من جوانب متعددة.
بالفعل من لم ير «المزاينة» فسيفوته الكثير من الأمور والأشياء التي يصعب ان يدرك تفاصيلها ومدلولاتها وجمالياتها، مثل رؤية الناقتين «القائدة» و«منجية»، اذ تقدر قيمة كل منهما بـ10 ملايين درهم، لحظة إعلان فوزهما مع غيرهما من جميلات «المجاهيم» و«الأصايل»، في مسابقات مهرجان الظفرة .2010 كما يصعب ان يتوقع من لم يشاهد مزاينة الظفرة من قبل مدى الاهتمام الذي تحظى به الهجن ومسابقات المزاينة من سكان الخليج العربي، هذا الاهتمام الذي لا ينعكس فقط في المشاركات الواسعة التي تشهدها المسابقات، ولكن يتجسد بوضوح في حالة الترقب الشديدة التي تسيطر على الجميع قبيل إعلان نتائج المزاينة، اذ يسيطر صمت عميق على المكان لا تقطعه إلا همسات خافتة لمشاركين، تعرب عن أمل أصحابها في ان يحالفهم الفوز، وما ان يتم الإعلان عن أسماء أصحاب الهجن الفائزة حتى تتعالى صيحات الفرح والسعادة لتملأ فضاء المكان، إلى أن يصل المعلن إلى الفائز بالمركز الأول، حتى تتطاير «الغتر» في الهواء احتفالاً بالفوز، وتتحول منصة الجمهور إلى ساحة للفرح بكل مظاهره من هتافات ورقصات شعبية، وقد يصل الحماس بالحضور إلى حمل الفائز على الأكتاف، هذا المشهد الذي تحرص كاميرات بعض الشبكات التلفزيونية الأجنبية على متابعته وتصويره لما يحمل من طرافة ودلالات تراثية واجتماعية تمثل عنصراً رئيساً في ثقافة المنطقة، وملمحاً من ملامح خصوصيتها. هذه الطقوس ليست نهاية الاحتفالات، بل بدايتها، فعقب تبادل التهاني بين الحضور، يقوم أتباع كل مشارك بسحب «الحلال» من مكان المسابقة، لينتقل معظم المشاركين يتقدمهم الفائزون، في موكب كبير إلى «شارع المليون»، الذي يمثل ساحة احتفالات المهرجان، وفيه ايضا تعرض «الحلال» للبيع، وتعقد الصفقات التي تراوح فيها أسعار الهجن من مليونين إلى 16 مليون درهم، حسب ما تتمتع به الهجن من نسب وسلالة أصيلة، وما تتميز به مواصفات الجمال، بالإضافة إلى تاريخها في سباقات المزاينة وما حصدته من جوائز.
فقرات تراثية واحتفاليات فنية متعددة على هامش المهرجان. من المصدر |
هجن «الملايين»
«مزاينة الظفرة» بالنسبة لنا من أبرز المناسبات التي نحرص على المشاركة فيها منذ انطلاقتها، بحسب ما أوضح المربوع بن عبدالله بن ناجي المنهالي لـ«الإمارات اليوم»، صاحب الناقة «القائدة» الفائزة بالمركز الثالث في فئة «المجاهيم»، مشيراً إلى أن الاستعداد للمزاينة يبدأ قبل موعدها بما يقرب من أربعة أشهر، إذ تتم العناية بالهجن المرشحة للمشاركة، وبالطعام الذي يقدم لها، الذي يعتمد غالباً على التمر «الدبس»، إلى جانب الشعير والحشائش الخضراء والحليب، وهي الأطعمة التي تسهم في منح الهجن بنية قوية متناسقة.
وعلى الرغم مما تحمله الأسعار التي تعرض عليهم، يشدد المنهالي بنبرة تحمل الكثير من الاعتزاز، على ان ما لديهم من هجن ليس للبيع أو الشراء، فهم يحرصون على الاعتماد على الهجن التي تولد في مزرعتهم، وبالتالي لا يحتاجون إلى شراء إبل من الآخرين، في المقابل فكرة البيع مرفوضة تماماً، على الرغم من الأسعار المغرية التي وصلت لـ10 ملايين درهم للناقة «القائدة»، وستة ملايين لـ«المولى». لافتاً إلى ان مهرجان الظفرة كان له دور كبير في رفع الأسعار.
«منجية»، الفائزة بالمركز الأول أيضاً، قدرت قيمتها بـ10 ملايين درهم، وعلى الرغم من ذلك يرفض مالكها حمدان بن غانم الفلاحي، فكرة البيع حتى ولو بسعر أعلى من ذلك، مشيراً إلى حرصه على المشاركة في المزاينات المختلفة، خصوصاً مزاينة الظفرة التي سبق أن فاز فيها بالبيرق العام الماضي. مبيناً أن الاستعداد لهذه المسابقات يبدأ قبلها بما يقرب من ثلاثة أشهر، بينما يختلف طعام الإبل حسب المُربي. بينما يرى مبارك عبدالله ضبات الدوسري، الذي قدم من السعودية للمشاركة، وحصل على الرمزين الثالث والخامس في فئة الأصايل، ان المهرجان يسير عاماً بعد عام إلى الأفضل، ولذا يحرص على الوجود والمشاركة في كل مواسمه حتى الآن.
وعن مواصفات جَمال الإبل، أوضح حمدان مصبح الكتبي، أحد أعضاء فريق «فزعة» التابع لهيئة ابوظبي للثقافة والتراث، ان من اهمها كبر حجم الرأس، وان تكون الأذنان مرفوعتين إلى أعلى باستقامة، وطول الرقبة واستقامتها، وان يكون السنام في الوسط، اما الغارب فكلما كان مرتفعاً كان أفضل، لافتاً إلى أن الأصايل هي الأكثر ارتباطاً بدولة الإمارات نظراً لأنها موطنها، بينما تعد السعودية موطناً للمجاهيم.
طبيعة مغايرة
رغم أهميته، حيث استطاع مهرجان الظفرة ان يحول سكون المنطقة الغربية إلى احتفالات جماهيرية تستقطب الزائرين من مختلف دول مجلس التعاون، بل ومزاراً سياحياً للسائحين من مختلف أنحاء العالم. إلا انه ليس كل ما يمكن ان تستمتع به في الرحلة إلى المنطقة الغربية، فطوال الطريق الذي يمتد إلى 173 كيلومتراً، يرى الزائر معالم تميزت بها المنطقة منذ تاريخ بعيد، ومظاهر جغرافية تنقله بالتدريج من أجواء العاصمة الحديثة، إلى عوالم الصحراء الباعثة على الهدوء والتأمل، حيث تنتشر طول الطريق السبخات وتجمعات المياه التي تجتذب الطيور المهاجرة في طريق بحثها عن دفء الشرق، وأيضا التجمعات الملحية التي كان يستخدمها سكان المنطقة قديماً لتمليح الأسماك والاحتفاظ بها مؤونة، بالإضافة إلى الكثبان الرملية التي تتداخل في لوحات طبيعية رائعة، وتزداد ارتفاعاً ويميل لونها إلى الأحمر كلما اتجهنا صوب الربع الخالي. بينما تبدو في خلفية المشهد منصات حقول البترول التي تضمها مدينة الرويس، في تداخل فريد بين الطبيعة والمدنية، ما يمثل طابعاً للمنطقة الغربية. ولعل هذا ما جعل المنطقة مقصداً لمحبي البر وهواة التخييم الذين اصطفت خيامهم على جانبي شارع المليون، للاستمتاع بالصحراء من جهة وأيضاً بمظاهر الاحتفال والفعاليات المصاحبة لمهرجان الظفرة من جهة اخرى.
رؤية مستقبلية
لكن ما الذي تمتلكه المنطقة الغربية من مميزات، وما الخطط المستقبلية لها؟ وغير ذلك من أسئلة كانت محور الحديث مع مدير عام مجلس تنمية المنطقة الغربية محمد المزروعي، ومدير التطوير بالمجلس محمد الحوسني، إذ أوضحا ان المنطقة الغربية تضم سبع مدن قد تكون صغيرة الحجم من حيث المساحة أو عدد السكان، ولكنها مهمة بتنوعها وما تضمه من ثروات اقتصادية وتاريخية وأثرية، ما يجعل المنطقة الغربية بمثابة العمود الفقري للعاصمة من حيث العادات والتقاليد والعصب الاقتصادي لها، وأشار المزروعي في اللقاء الذي جمعه بالإعلاميين في مقر المجلس الأنيق، الذي يجمع بين البساطة والطابع العصري، وتغلب على العاملين فيه روح الشباب بوضوح، إلى ان المنطقة الغربية تحظى باهتمام كبير في رؤية ابوظبي .2030 لافتاً إلى ان المنطقة تسعى من الجانب الثقافي للاستفادة من المشروعات الثقافية الكبرى التي تقيمها ابوظبي مثل جزيرة السعديات، معتبراً أن المنطقة قادرة على مواجهة تحدي الجمع بين الهوية الثقافية المحلية التي تتميز بها من جهة، وبين خطط التطوير والتنمية الطموحة التي يتم العمل على تنفيذها من جهة أخرى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news