يرفض مصطلح الاستشراق لأنه يقيم حدوداً بين الشـرق والغرب

ديفيز: اللغة العربية ليست عالمية

دينيس ديفيز: تجربتي في دبي غيرت حياتي بشكل جذري. تصوير: إريك أرازاس

قال المترجم الدكتور دينيس جونسون ديفيز، إن اللغة العربية ليست لغة عالمية، ومن الصعب أن تكون لغة عالمية نظراً لصعوبتها، مشيراً إلى أن سهولة اللغة تعد من أهم العوامل التي تساعد على انتشارها وشيوع استخدامها في مختلف مناطق العالم مثل اللغة الانجليزية. ووصف ديفيز تجربة عمله في دبي عام ،1969 التي قام خلالها بإنشاء إذاعة ثم تلفزيون دبي، بأنها «نقلة كبيرة شكلت تغيراً جذرياً في حياته، فقد أحب دبي، وحاكمها في ذاك الوقت المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، متطرقاً إلى مساهمته في إنشاء الإذاعة في تلك الفترة، واتجاهه لإدخال الإعلانات عليها باعتبارها وسيلة لتغطية تكاليف تشغيل الإذاعة، ثم تكليفه من قبل الشيخ راشد بن سعيد بإنشاء تلفزيون دبي، رغم انسحاب القوات الانجليزية من الخليج آنذاك».

وعبر المترجم الكندي الحائز جائزة الشيخ زايد «فرع شخصية العام الثقافية 2007» عن تحفظه على وصفه بـ«المستشرق» موضحاً أن «هذا الوصف يقيم حدوداً بين الشرق والغرب، وهو ما يتناقض مع إيماني بأننا نعيش جميعاً في عالم واحد، لا فرق فيه بين الشرق والغرب، ورغم أنني غربي، فإنني عشت معظم حياتي في الدول العربية، وأقيم حتى الآن في مصر».

محطات

وشدد ديفيز الذي قدم ترجمات لأعمال مجموعة من أبرز الكتاب العرب، خلال المحاضرة التي نظمها له المركز الثقافي الإعلامي لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، أول من أمس، بعنوان «كيف أمكن ذلك»، بحضور المدير التنفيذي للمركز الكاتب حبيب الصايغ، على أهمية الدراسة بالنسبة للمترجم، إذ لابد ان يتعلم أسس وقواعد الترجمة، ولا يكتفي باجتهاده الشخصي، موضحاً أن الإلمام بقواعد اللغة وفهم المترجم للسياق العام للعمل، وطبيعة الثقافة التي يترجم إليها، كلها عوامل مهمة لنجاح عمله، وهي أمور يتم اكتسابها بالخبرة وتكرار العمل.

وأشار إلى قيامه أخيراً بترجمة مجموعة من القصص الحديثة لكتاب شباب من مصر، تضمنت 57 قصة من بينها قصص كتبت باللهجة العامية المصرية، لافتاً إلى انه قام بترجمة 38 رواية عربية حديثة.

وعن علاقته بالراحل د.عزالدين إبراهيم، قال إن « تعارفهما كان مصادفة وفي إحدى زيارات كل منهما إلى دولة قطر، وتكررت هذه المصادفة، ثم عرض عليه د.إبراهيم العمل معاً على ترجمة الأحاديث النبوية الشريفة. وأضاف «في ذاك الوقت أخبرته بأن معرفتي بالأحاديث النبوية محدودة، فأعطاني كتاب (رياض الصالحين) للاطلاع عليه، بعدها أخبرته بأنني أحببت العمل، ولكن من الصعب ترجمته لضخامته، فقررنا ترجمة كتاب (الأربعين النووية)، ولكن نظراً لانشغال كل منا بأعماله، واختلاف مكان إقامة كل منا، كان من الصعب أن نلتقي لمناقشة سير العمل، إلى أن قدمني د. إبراهيم، إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في إحدى زياراتي لأبوظبي، وأمر الشيخ زايد باستضافتي في أبوظبي لمدة شهر حتى ننتهي من العمل، وبالفعل استطعنا خلال تعاوننا معاً إنجاز ثلاثة كتب».

لماذا العربية؟

خلال مشواره مع ترجمة الأعمال الأدبية العربية، ارتبط ديفيز بعلاقات صداقة وعمل مع عدد كبير من الكتاب العرب، بداية من الأديب محمود تيمور الذي ترجم له جميع أعماله، والكاتب توفيق الحكيم، الذي كان كاتباً كبيراً، بحسب وصف ديفيز. كما توقف عند علاقته بصاحب «نوبل» الكاتب الراحل نجيب محفوظ، الذي قام بترجمة عدد كبير من أعماله في رحلة تعاون بينهما استمرت سنوات، فوصفه بالتواضع، رغم أنه استطاع أن يقدم 40 رواية و100 قصة، وهو ما لم يستطع كاتب آخر تقديمه، ما يجعله جديراً بجائزة نوبل. وأضاف «أما الكاتب السوداني الطيب صالح، فقد كان صديقاً لي ونشرت أول قصة له في مجلة «أصوات» التي أسستها وكنت أديرها، كما ترجمت له كل أعماله، من أهمها «موسم الهجرة إلى الشمال» واستمتعت بذلك لأنني أحببت موضوع الرواية ونصها، كما أحب السودان الذي عشت فيه فترة طويلة».

وعن أسباب اختياره دراسة اللغة العربية رغم إقامته في لندن في ذاك الوقت، أشار د.دينيس، الذي أصبح يحمل اسم عبدالودود بعد اعتناقه الاسلام، إلى أنه تنقل في بداية حياته بين عدد من الدول الإفريقية، مثل مصر والسودان وأوغندا وكينيا، وأحبها واعتاد على أسلوب الحياة فيها، وعند انتقاله مع أسرته للحياة في لندن شعر بالنفور منها، لجوها البارد، ولصعوبة الحياة في المدرسة الداخلية التي تم إلحاقه بها، معتبراً اتجاهه لدراسة اللغة العربية جاء استجابة لرغبة داخلية لديه في العودة إلى الدول التي أحبها، والحياة التي ارتبط بها.

عبرية وفارسية

مسيرة حافلة

فاز الدكتور دينيس جونسون ديفيز، الكندي الأصل، بجائزة الشيخ زايد للكتاب «فرع الشخصية الثقافية» لعام 2007 لإسهامه المتواصل في إثراء الثقافة العربية بترجماته الأصيلة لعيون الأدب العربي الحديث إلى اللغة الإنجليزية منذ منتصف القرن الـ،20 وللتعريف بكلاسيكيات الأدب العربي في الأوساط الجامعية والعلمية في الغرب. وقد عمل استاذاً في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً)، كما عمل قبل ذلك في القسم العربي بدار الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الذي اتخذ اللغة العربية لغة البث الإذاعي بداية من العام .1938

وتعرف ديفيز إلى الكاتب المصري لويس عوض الذي زامله فترة بجامعة كمبريدج، وعن طريقه تعرف إلى العديد من المثقفين المصريين مثل توفيق الحكيم ويحيي حقي ومحمود تيمور ومحمد مندور ويوسف إدريس، ومن خلالهم تعرف إلى استخدام اللهجة العامية في ما يبدعونه من أدب، وفي ما يكتبونه من حوار. كما زار معظم البلاد العربية. وتعرف إلى لهجاتها، وعاشر أهلها وبشرها، وأتقن عاداتها، وفهم فنونها ، وطقوسها الدينية.

وكان ديفيز أول من قدم الأديب الكبير محمود تيمور إلى العالمين العربي والغربي، ثم ترجم جميع أعماله بعد ذلك. ثم تعرف إلى أديب مصر العالمي نجيب محفوظ، بداية من عام ،1945 وظلت ترجمات دينيس لمحفوظ هي المرجع لترجمة هذا الأدب إلى اللغات الأخرى. جاء بعد محفوظ الكاتب السوداني «الطيب صالح» ليحظى باهتمام دينيس جونسون، وترجم له «موسم الهجرة إلى الشمال»، فذاع صيتها في العالمين، وكان ترجم قبلها مجموعة «دوُمة ودُ حامد». ثم جاء يحيى حقي الذي أحبه دينيس لثقافته، وعمقه أديباً كبيراً تناول الحياة المصرية بمشهدها الشعبي في الأحياء الهامشية التي تعيش على الستر، وعلى حمد الله في كل الأحوال. أنجز دينيس ديفيز ثلاثة أنطولوجيات كبيرة من نصوص القصص العربية تشمل أعمالاً لمعظمم كتاب القصة العربية عبر أجيالها المختلفة، كما أنجز أعمال الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، وترجم مختارات من شعر محمود درويش. ولكن كان الحدث الأكبر في حياة دينيس هو تعرفه إلى العالم الراحل الدكتور عزالدين إبراهيم، إذ عملا معاً، وتم ترجمة «الأربعين النووية» والأحاديث القدسية وكتاب «الكلم الطيب» لابن تيمية كما ترجم دينيس أجزاء من «إحياء علوم الدين» ثم الشروع في ترجمة مشروعهما الأكبر أجزاء من القرآن الكريم.

قال ديفيز «كان علي الانتظار لمدة عام حتى يتم قبولي في كامبردج، حيث لم يكن عمري وقتها بلغ الـ،16 وخلال هذا العام قمت بدراسة شيء من العربية وبعض الفارسية في مدرسة اللغات الشرقية، ومع بداية دراستي في كامبردج كان علي أن آخذ العبرية لغة ثانية، إذ أخبروني أنه ما من أحد يستطيع إجادة العربية دون دراسة العبرية. وبالكاد أكملتُ سنة واحدة وفصلين دراسيين في كامبردج حتى اندلعت الحرب (لتنقذني) من دراسة العبرية، وأتحول بعدها إلى قسم اللغة الفارسية، وكنت محظوظاً إذ كان لدي صديقان من الهند كانا يجيدان الفارسية وساعداني على دراسة كتب المقرر، وقد استمتعت كثيراً بأشعارها، وسعدت عندما عرفت أني اجتزت الجزء الأول من المقرر بدرجة الشرف الثانية بحصولي على المرتبة الأولى في الفارسية والثالثة في العربية».

«بي بي سي»

عن التحاقه بالعمل في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أوضح ديفيز «كانت هيئة الإذاعة البريطانية قد بدأت بثها العربي قبل فترة وجيزة آنذاك، ويبدو أنهم قد اتصلوا بالجامعة لمعرفة من يدرسون العربية، لذا طلب مني الذهاب إلى لندن لإجراء مقابلة وظيفية، وأذكر أنهم أخذوني للاستوديو للاستماع لنشرة أخبار بالعربية لم أفهم منها ولا كلمة واحدة! وتعجبت كيف تخلو انجلترا بإمبراطوريتها الممتدة على معظم العالم العربي من متخصصين في اللغة العربية، وعندما قررت هيئة الإذاعة البريطانية توظيفي، كانت الغارات الجوية الألمانية بدأت وقد أخلي القسم العربي إلى مكان يسمى «إيفشام» في الريف الانجليزي، حيث قررت عدم العيش في المسكن الذي خصص لي وآثرت بدل ذلك الانضمام إلى زملائي العرب الذين قرر معظمهم الإقامة في كوخ كبير.

ومن ميزات هذا الكوخ قربه من المكاتب والاستوديوهات والمطعم، ولكن الميزة الأهم من وجهة نظري كانت تتمثل في إقامتي وسط العرب الذين كانوا يجيدون الانجليزية، إلا أنهم لم يكونوا ليتحدثون الانجليزية لمجرد وجود شاب انجليزي عمره 18 عاماً بينهم، وفي الحقيقة اندهشوا من هذا الشاب المصمم على تعلم لغتهم.

تويتر