غراميات أم كلثـــوم خط أحمر
يقول الكاتب جهاد فاضل، في كتاب له، إن أي دراسة موضوعية تتناول «السيرة الذاتية الحميمة» للسيدة أم كلثوم لم تظهر حتى الآن، ولاتزال خطاً أحمر. ورأى أن أم كلثوم عُوملت «كامرأة قيصر»، ذات المنزلة الرفيعة، التي مُنعت الالسنة من أن تتناولها، ما يدفع إلى القول إن سيرتها العاطفية لم ترو بعد. وقال جهاد فاضل «بعد مرور سنوات طويلة على رحيل كوكب الشرق (أم كلثوم) لم تظهر بعد الدراسة الموضوعية الباردة التي تحيط بسيرتها الذاتية الحميمة أو العاطفية».
وأضاف «أم كلثوم احيطت دائماً بحصانة منعت على الدوام تعرض وسائل الاعلام لحياتها الخاصة، وباستثناء فترات محددة (في البدايات على الخصوص) كانت الصحافة المصرية خلالها تتناولها بحرية كاملة، كما تتناول أي فنانة اخرى. إن أم كلثوم عوملت كشخصية استثنائية رفيعة المقام، إن لم نقل كملكة من الملكات، كامرأة قيصر حسب تقاليد روما القديمة». وقال «عندما تزوجت بالدكتور حسن الحفناوي تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر شخصياً لمنع الصحف المصرية من أن تنشر - تصريحاً او تلميحاً- أي خبر عن زواجها».
ونقل الكاتب رواية عن البكباشي موفق الحموي الذي كان مديراً للرقابة أنه عندما اتصل به عبدالناصر ليبلغه هذا الامر، سأل الرئيس عما إذا كان الخبر شائعة من الشائعات، فرد عبدالناصر «لا الخبر صحيح، غير أن أم كلثوم اتصلت بي واخبرتني بزواجها، ولكنها طلبت مني منع نشر الخبر في الوقت الراهن، وهذا كل شيء، وهذا اقل ما استطيع فعله لها».
أوراق خاصة
أورد فاضل مثلاً آخر في هذا المجال، فقال إنه عندما «وقعت مرة في يد أحد المسؤولين المصريين أوراق خاصة تتصل بالصحافي المصري الراحل مصطفى أمين (1914- 1997)، منها عقد زواج رسمي بينه وبين أم كلثوم، ورسائل من أم كلثوم تخاطبه فيها بعبارة (زوجي العزيز)، حمل المسؤول هذه الاوراق على الفور إلى الرئيس جمال عبدالناصر الذي أمسك بالاوراق ونظر إليها وابتسم، دون ان يعلق بشيء، ثم وضعها في جيبه. ومن يومها لم تظهر هذه الاوراق على الاطلاق، ولم يطلع أحد عليها». ويضيف المسؤول المصري الذي روى هذه الحكاية أنه «لا يعلم ما الذي فعله عبدالناصر بهذه الاوراق. وأغلب الظن انه اخفاها تماما ولم يتحدث فيها لا إلى أم كلثوم ولا الى سواها، معتبرا إياها شأنا خاصا لا يجوز لاحد ان يتدخل فيه».
ويقول هذا المسؤول المصري إن «عبدالناصر كان يحب أم كلثوم ويحترمها، ويعتبرها قيمة وطنية عالية. ولم يكن يتهاون في الدفاع عنها وتكريمها وحمايتها من أي محاولة للاساءة إلى مكانتها أو المساس بمشاعرها».
جهاد فاضل، الذي صدر له أخيراً عن دار رياض الريس في بيروت كتاب بعنوان «ام كلثوم.. نغم مصر الجميل»، أشار في مقدمة الكتاب إلى انه على الرغم من مرور أكثر من ثلث قرن على رحيل أم كلثوم التي توفيت في عام ،1975 فإن الكثير من جوانب حياتها الخاصة أو الشخصية لايزال يحيطه الغموض. فالباحثون المصريون على الخصوص يمرون مروراً سريعاً على هذه الحياة، وكأن أم كلثوم لا يجوز الاقتراب من حياتها الخاصة إلا بورع واحترام، فهي رمز لا إنسان يمكن معالجة كل ما يتصل به، بل هي سر، من الظلم جعل الشيفرة الخاصة به مباحة امام الجمهور العريض، لان في ذلك ما يسيء الى ذكرى القديسة الكبيرة الراحلة.
وجاء في الكتاب «حتى عندما يكشف الباحث أو ما يشبه الباحث، جوانب من علاقتها العاطفية مع فلان، ولنفترض انه الموسيقار محمود الشريف الذي قيل إنها هي التي لفتت نظره إلى معاناتها وحاجتها إليه، أو إلى رجل ليكون إلى قربها، أو بهي الدين بركات باشا، قريب الاسرة المالكة، الذي قيل إنه توله بها، وعرض عليها الزواج، فإن القارئ يشعر بأن البحث في هذه الجوانب لم يستوف بما فيه لكفاية، لا لشح المعلومات فحسب، أو لعدم دقة ما لدى الباحث، بل لسبب آخر هو الخوف من الخوض في أمر قد يسبب له المتاعب. عندها تتعثر الخطوات ويتلعثم الراوي». وتابع الكاتب كلامه قائلاً في فصل آخر «يبدو أن السنوات التي انقضت على وفاتها، إضافة إلى سنوات حمايتها من عبدالناصر، وفقدان شهود زمن شبابها وكهولتها، من شأنها أن تحجب إعادة فتح ملفها العاطفي على الخصوص إن لم تمنع طرح اسئلة بصدده».
والواقع، كما قال الكاتب، هو أن «كثيرين احبوا أم كلثوم وطلبوا يدها، سواء من كبراء مصر، ومنهم شريف صبري باشا خال الملك فاروق، أو من غيرهم»، ولعل في عناوين بعض فصول الكتاب ما يطرح في ذهن القارئ خطوطاً عريضة عن موضوعات وأشخاص في حياة «كوكب الشرق». منها «الشيخ ابوالعلا محمد هل كان حباً؟»، «محمود الشريف قمر ضل مداره»، «حسن الحفناوي زواج بلا رومانسية»، «احمد رامي رومانسية بلا زواج».
أحمد رامي
من العناوين أيضاً «ألهمته كما أوهمته»، وفيها يتحدث عن أحمد رامي وأم كلثوم، وتلك العلاقة غير العادية، فقال «الشائع أن علاقة عاطفية ما ربطت بينهما. ولكن ما نوع هذه العلاقة.. هل كانت حبا بالمعنى المعروف لهذه الكلمة أم كانت حبا من نوع خاص؟ لا ينكر أحد أن رامي كان مولعاً بأم كلثوم، فكل الروايات تجمع على انه كان لها في قلبه مكانة عظيمة. وإذا تركنا هذه الروايات جانباً وجئنا إلى الاشعار العاطفية التي غنتها ام كلثوم له ، وهي كم هائل، إذ تبلغ 137 قصيدة من 283 قصيدة هي كل اغاني أم كلثوم، تأكدت لنا هذه المكانة الخاصة».
ومن الفصول ما حمل عنوان «قصب في السيرة الكلثومية»، وفيه تناول الكاتب قصة محمد القصبجي «احد كبار الموسيقيين والملحنين العرب في القرن الـ،20 رفيق سيد درويش منذ البدايات، واستاذ محمد عبدالوهاب، والخاسر امام رياض السنباطي في مباراة التلحين لام كلثوم، والعازف العبقري على العود ومتعهد اسمهان في خطواتها الاولى في عالم الغناء لا يخشى لومة لائم - واللائم أم كلثوم نفسها التي وجدت في هذه المطربة الشامية الشابة منافساً خطراً- وملحن أكثر الأغاني خلوداً في حياة أم كلثوم واسمهان «رق الحبيب» للاولى، و«اسقنيها بأبي أنت وأمي» للثانية. وتناول الكتاب كيف انتهى هذا الكبير إلى مجرد عازف عود في فرقة ام كلثوم، وكيف سيطر عليه ما يمكن ان يوصف بأنه عقدة نفسية كلثومية.
بدوي الجبل
من الموضوعات المثيرة للاهتمام قصة أم كلثوم والشاعر السوري بدوي الجبل، اي محمد سليمان الاحمد، الذي كان الشاعر الوحيد الذي رفض رغبة أم كلثوم في تغيير عنوان قصيدة له، ارادت أن تغنيها بشرط أن يغير عنوان القصيدة من «شقراء» إلى «سمراء»، فسائر الشعراء كانوا يغيرون في قصائدهم، وفقا لطلب أم كلثوم، ارضاءً لها، اما بدوي الجبل فرفض، مضحياً بذلك الخلود الذي كان سيكسبه إياه غناء أم كلثوم لقصيدته.
كانت حجته انه نظم القصيدة في فتاة سويسرية شقراء، لكن الكاتب يكشف عما اسماه «الحقيقة»، وهي ان الشاعر نظم القصيدة لشاعرة سورية شقراء كان يحبها، وهي عزيزة هارون، وصعب عليه تغيير عنوان القصيدة.
في الكتاب معلومات كثيرة، وقد صيغ بسلاسة وسهولة. بعض ما قد يؤخذ على جهاد فاضل هنا أنه في عدد من الاماكن كان يروي احداثاً وكلاماً وحوارات من دون ان يذكر مصادرها، مع انه في مجالات كثيرة غيرها ذكر مصادره بوضوح. الكتاب يثير اسئلة أو يجدد طرح أسئلة عن حياة أم كلثوم لم تجد أجوبة وافية عنها حتى الآن.