قنـاة واحـدة لا تكفـي

مواقف متفاوتة للإعلاميـين العـربي والغـربـي مـن ثورتـي تونـــــــــــــــــــــــــــــــــــس ومصر. أرشيفية

بعد نجاح ثورتي تونس ومصر خرجت تقارير تشير إلى «النفاق الإعلامي» الذي تعاملت به وسائل الإعلام الغربية مع كلا الثورتين، خصوصاً في الأيام الأولى منهما، واستندت هذه التقارير إلى مقارنات بين التغطية الإعلامية الغربية للثورتين العربيتين من جهة، وثورة غربية مثل ثورة جورجيا في نوفمبر 2003 وأوكرانيا التي اشتعلت بعدها بعام في نوفمبر ،2004 حيث أولت وسائل الإعلام الغربية اهتماما كبيرا لثورتي جورجيا وأوكرانيا، ووفرت متابعة دقيقة لحظة بلحظة لأحداثهما، بل عمدت الى تحقيق الجماهيرية لهما من خلال منحهما ألقابا براقة، مثل الثورة البرتقالية أو الوردية، وإعداد تقارير ذات أبعاد إنسانية واجتماعية تستقطب تعاطف المشاهدين مع الثوار والقائمين على الثورة، وتستعديهم على النظام القائم، لأنها تسعى الى تنصيب آخر حليفا لها، وعلى النقيض تماما من هذا الموقف جاء موقف وسائل الإعلام الغربية من الثورة التونسية التي لم تفرد لها التغطية المناسبة سوى في أيامها الأخيرة التي سبقت هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وتعاملت معها باعتبارها أعمال شغب سيتم القضاء عليها، تستدعي أن تعرض إحدى الدول على الرئيس التونسي السابق مساعدته في إخمادها. لتأتي بعد ذلك بقليل الثورة المصرية، والتي كانت أفضل حظاً من شقيقتها التونسية التي مهدت لها الطريق، حيث كان لهروب بن علي، ولضخامة الأعداد التي شاركت في الثورة المصرية، وإصرار الثوار على مواصلة ثورتهم حتى إسقاط النظام، دور كبير في فرض الجدية على اسلوب تعاطي وسائل الإعلام الغربية مع الثورة المصرية، ولكن ظل التذبذب هو السمة البارزة لهذه التغطيات، كما كان الملمح البارز لموقف الدول الغربية من الثورة، ورغم اتجاه قنوات إخبارية تابعة لدول غربية وتنطق بالعربية لإفراد معظم وقتها لتغطية أحداث الثورة المصرية، مثل «بي بي سي» البريطانية، و«الحرة» الأميركية، إلا ان القنوات الموجهة إلى الجمهور غير العربي لم تمنح كلا الثورتين الاهتمام المماثل. حيث أظهر استطلاع لمؤسسة «بيو» نشر بتاريخ الثامن من فبراير، اي قبل إعلان تنحي الرئيس محمد حسني مبارك بثلاثة أيام، أن نسبة 52٪ من الأميركيين «سمعوا شيئا قليلا أو لم يسمعوا شيئا على الإطلاق» بما يحدث في مصر من احتجاجات تسعى الى تنحية الرئيس حسني مبارك بعد 30 عاما قضاها في السلطة، رغم اهتمام وسائل الإعلام الأميركية بتطورات الأوضاع في مصر، وعبر أغلبية الأميركيين عن تأييدهم للرئيس باراك أوباما في أسلوب تعامله مع التطورات التي تشهدها مصر، إذ رأت نسبة 57٪ من الأميركيين أن مستوى الدعم الذي أظهره الرئيس للمتظاهرين كان صحيحاً.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تفاجأنا فعلاً بموقف الإعلام الغربي والدول التابع لها؟ وهل هناك في هذا العالم من لايزال يعتقد ان الدول، سواء غربية أو شرقية، تتحرك وفقا للمشاعر أو «العشم» مثلاً، وان وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم تعمل بمعزل عن مصالح الدول التي تنتمي إليها؟ بل هل تتعامل القنوات العربية مع الأحداث في المنطقة بحيادية أو موضوعية دون «أجندات خاصة»، أو وفقاً لمصالح الدول أو الجهات التي تنتمي إليها؟ وهو ما ظهر بوضوح في تغطية أحداث الثورة المصرية، وبوضوح أقل في الثورة التونسية، فبعد تردد قصير في اليوم الأول من الثورة، بدأ يتضح الطرف الذي قررت كل قناة الانحياز له، فانحازت «الجزيرة» على سبيل المثال للثورة، وحرصت على متابعة الأحداث وكل صغيرة وكبيرة تجري في ميدان التحرير، بينما بدا أن قناة «العربية» اختارت جانب النظام، قبل ان تعود عقب 28 يناير لتنحاز إلى الثورة، لتعود بعد ذلك وتحاول ان تمسك بالعصا من المنتصف. بينما كان تعامل قناتي «بي بي سي» و«الحرة» متوافقاً مع مواقف دولتيهما، هذه المواقف لم تظهر فقط في الأحداث التي يتم التركيز عليها، أو في التضارب الكبير الذي كان يظهر في أعداد المتظاهرين التي تشير إليها كل قناة، ولكن أيضا في انتقاء المتحدثين والضيوف الذين تنتقيهم كل قناة للتعليق على الأحداث. حتى الإعلام الداخلي في الدول صاحبة الحدث، تونس ثم مصر، والإعلام الرسمي بشكل خاص، كان يعمل وفق أجندته الخاصة، وبين الأجندات المختلفة، بدت الحقيقة مثل «بازل» يحتاج إلى من يجمع قطعه، واحتار المشاهد بين القنوات المتعددة بحثاً عن هذه القطع، بعد ان أدرك تماماً أن «قناة واحدة لا تكفي».

تويتر